السعودية الى دمشق.. ايران تتوسط بين سورية وتركيا.. روسيا اقتصاديا تستعد لفك الحصار.. والعراق يكسر الجمود لاول مرة منذ 8 سنوات
بقلم : حسين الفياض
من المفترض أن هذه الكلمات نُشرت قبل أيام، لكني آثرت تأجيلها لحين انتهاء #قمة_بغداد التي ضمت برلمانات دول الجوار، حيث سأركز بطريقة كلاسيكية على مجريات الأمور وطرق عقدها وتعقيدها، وسأعيدكم قليلا إلى الخلف في المشهد الملتبس وبداية الحرب على سورية قبل ثمانية أعوام حينما اجتمعت أكثر من مائة دولة في تونس فيما سمي يومها مؤتمر أصدقاء سورية في الرابع والعشرين من شباط 2012، سورية التي كانت غائبة حينها واجتمعت عليها الدول لاعلان بدء الحرب وقطع العلاقات الدبلوماسية مع دمشق، وكلام وزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلينتون يومها ومباركتها لاعلان الاعتراف ب (المجلس الوطني السوري ممثلا شرعيا للسوريين الذين يسعون لتغيير ديمقراطي) أكثر دليل على ما اطلق يومها من حرب دبلوماسية استهدفت الشام.
سرقة مقعد سورية
ولا ننسى ايضا مصادرة مقعد سورية في #الجامعة_العربية ومحاولة تكرار المشهد في #الامم_المتحدة حيث خابت المؤامرات الامريكية والبريطانية والفرنسية ومعها الادوات القطرية والسعودية والاماراتية والتركية، بسرقة مقعد سورية في مجلس الامن، لكنهم نجحوا باعلان ما سُمي لاحقا باعلان جنيف (1) في الثلاثين من حزيران عام 2012 واختلفوا لاحقا بتفسيراته داخل اروقة الامم المتحدة.
سحبٌ للسفراء واغلاق للسفارات السورية والضغط على دمشق بكل الوسائل لتغييبها عن المشهد الدولي وتعويم مجموعة من المعارضين المدارين تركيا وقطريا وسعوديا، وكلام رئيس الوزراء القطري السابق وحديثه عن التآمر على سورية اصبح معروفا بشكل كبير.
الامارات الى دمشق و (لاءات) واشنطن الثلاثة
في منتصف العام الماضي تحركت الجهود الاماراتية لفتح ثغرة بالعلاقات مع سورية، وكان قد سبقه لقاءات عدة سورية – خليجية و سورية – اوربية لن اتحدث عنها الان لانها لم تك بالمستوى المطلوب بسبب تعنت اعداء سورية في الحرب الدبلوماسية ووضع شروط حاولوا من خلالها كسب اوراق فشلوا في الحصول عليها عن طريق الارهابيين على الارض، وشهد تموز 2018 بداية لفتح ثغرة ما بالجمود السياسي، وزار وفد أمني اماراتي دمشق واتفق على زيادة التعاون السياسي، واثمر ذلك فيما بعد عن فتح السفارة الاماراتية .. والبحرينية أيضا، وكاد الدور يصل الى السعودية، فيما اللواء علي مملوك يزور القاهرة لتطوير العلاقات مع الجانب المصري، وهنا انتبه الامريكي جيدا لما يحصل على الارض، وادرك ان عدوانه على سورية في خطر، فتوجه المبعوثون الامريكيون تباعا وقسموا ادوراهم وزياراتهم إلى عدة دول عربية، وقبلهم بأيام اخبر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لنظيره العماني السلطان قابوس في زيارته لسلطنة عمان أن عودة سورية إلى مقعدها في الجامعة العربية يجب أن تتم.
المبعوثون الأمريكيون أمروا العرب بالاتي :
– لا لعودة العلاقات الدبلوماسية مع سورية
– لا لفتح السفارات العربية في دمشق
– لا لعودة دمشق لمقعدها في الجامعة العربية
وسارع حينها وزير الخارجية المصري لنسف كل الجهود المبذولة مع سورية حين صرح في مؤتمر صحفي مع نظيره الامريكي بان عودة سورية للجامعة العربية بحاجة الى قرار جماعي من قادة الجامعة، وبحاجة لتطبيق القرار 2254 الصادر عن الامم المتحدة وعاد للحديث عن ضرورة الانتقال السياسي.
وهنا بدأت مرحلة جديدة من الحرب الاقتصادية والحصار الامريكي الخانق على سورية، وتم تعطيل اعادة فتح السفارات وهنا وبعد هذه المقدمة اشير الى ما حصل بعدها:
– اولا : العلاقات الاماراتية السورية : لم تتوقف العلاقات هنا بعد الثلاثة (لا) الامريكية ضد سورية، حيث استمر الحراك لايجاد ثغرة ما، وشباط الماضي شهد محاولة لم تك فاشلة لكنها ايضا لم تك ناجحة لايجاد ثغرة للهروب من العقوبات الامريكية.
المبعوث العراقي
– ثانيا : العراق لعب دورا ايجابيا جدا ايضا مع السعودية، واستغل الانفتاح السعودي على بغداد وتلقفه ايضا، وزار مبعوث عراقي مهم الرياض والتقى بالملك السعودي وابنه ، وفيما دار الحديث طويلا عن نتائج زيارة الرئيس السابق للسودان عمر البشير ولقائه الرئيس الاسد، ذكر المسؤول العراقي ومن باب الفكاهة .. أنكم في السعودية لم تشترطوا هذه المرة ان تقطع دمشق علاقتها بطهران، فجائه الرد سريعا من بن سلمان : ( أنت هنا في السعودية ولكن علاقتك بايران افضل منا ) .. ابتسم الضيف وفهم أن السعودية بحاجة ما لعودة فتح العلاقات مع دمشق، لكنه أيضا يعرف بأن السعودية والامارات في خلافات كبيرة مع القطريين، والقطريون حلفاء اردوغان الذي يحتل جزء من الشمال السوري، وهنا ندخل في معادلة أصعب.
طار الضيف العراقي وزار دمشق، وبعد عودته منها عاد إلى الرياض وحتى كتابة هذه الكلمات الاجواء ايجابية، لكن .. كيف يمكن للسوري ان يثق بالسعودي الراضخ للقرار الامريكي والمستمر بدعم الارهاب، وهو لم يقدم أي خطوة تجاه دمشق يمكن البناء عليها، الجواب في الرياض كان (نحن منذ خروج المسلحين من الغوطة الشرقية العام الماضي .. لم نتدخل بشيء على الارض) .. وهذا اعتراف هام أيضا يمكن البناء عليه، وهنا اتذكر ما قاله لي احد المسؤولين السوريين في بداية الحرب وكان موجود في السعودية ويقدم واجب العزاء في العام 2011 بأحد افراد الاسرة المالكة، وكان الملك الحالي للسعودية (سلمان بن عبد العزيز) وليا للعهد، اخبره : (كيف حال الرئيس الاسد .. انهم سيتآمرون عليه) ….. وهنا اتوقف جيدا مع هذه الكلمة لانه حينما اصبح ملكا .. تآمر بشكل أكثر من غيره.
روسيا تحاول فك الطوق
قبل عودة المبعوث العراقي إلى الرياض وصل إليها مبعوث الرئيس الروسي لافرنتييف والتقى بالملك السعودي وولي عهده، وفوجئ أن السعودية عرضت مباردة وصفتها مصادر هامة بالايجابية وهي تتعلق بالمشاركة باعادة الاعمار وعودة العلاقات مع دمشق وتسهيل تشكيل اللجنة الدستورية، طار مباشرة المبعوث الروسي وحط في دمشق ونقل الرسالة بأمانة، والسوريون يعرفون جيدا أن السعودي لا ينطق عن الهوى .. فماذا يريد الأمريكي الذي يزيد حصاره اقتصاديا على سورية ويهدد بمعاقبة كل من يخرق الحصار عنها؟
ظريف من دمشق إلى انقرة
وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف وصل الى دمشق قبل المبعوث الروسي والتقى الرئيس الاسد وتوجه مباشرة بعدها إلى انقرة واجتمع مع رئيس النظام التركي اردوغان، وقال في المؤتمر الصحفي مع نظيره التركي إن طهران تعمل على إعادة العلاقات السورية التركية، وهذا يعني مبادرة اخرى، في الصورة لم يك اردوغان مرتاحا ودفع بالمتحدث الرئاسي باسمه لنفي ما ذكرته وسائل اعلام ايرانية عن نقل ظريف رسالة من الاسد لتركيا، ربما لم تك رسالة لكنه اُخبر بمضمون الاجتماع الكامل الذي دار بين الرئيس السوري وضيفه الايراني.
روسيا لم تتوقف بعد .. فالحصار على دمشق يزداد وازمة الوقود تتفاقم، والأمريكي يزيد حصاره، وبعد يوم واحد من لافرنتييف .. يصل نائب رئيس الوزراء الروسي ويلتقي الرئيس الاسد، ويعلن بعدها عن امكانية استثمار ميناء طرطوس لمدة 49 عاما، وهي مدة جيدة لترتيب العلاقات الاقتصادية السورية الروسية بعيدا عن العقوبات الامريكية والحصار الخانق، وايضا تم توقيع اتفاقات هامة قبل ساعات من زيارة الضيف في جمهورية القرم الروسية مع وزيرة الاقتصاد السوري والتجارة الداخلية.
حصار اقتصادي خانق على سورية وايران لا سابق ولا مثيل له من الادارة الامريكية، وسورية رغم حصارها لا ديون عليها، وما قدمته ايران من وقود ستحصل على استثمارات وتسهيلات ومشاريع، والحديث عن طلب سورية قرض من روسيا .. يؤجل .. طالما أن السوريين والروس يوقعون عقودا مهمة وكفيلة بفك الطوق الاقتصادي عن دمشق.
افتعال خلاف روسي ايراني
بعض الاصوات حاولت الحديث والتأثير على العلاقات السورية الروسية .. والسورية الايرانية .. والروسية الايرانية، وبدأت تلعب على وتر خلاف روسي ايراني على الارض السورية من أجل النفوذ، ووصل الامر الى حد تلفيق وسائل اعلام عدة لاشتباكات بين الحليفين على الارض السورية، وسرعان ما نفت قيادة الجيش السوري ذلك، أما مصدر تلك الاكاذيب فكانت تركيا التي تحاول خلق بلبلة على الارض بين الحليفين قبل الذهاب الى جولة جديدة في استانا ومعركة ادلب اقتربت، واسهل طريقة لابعاد توقيتها هو الايعاز لوسائل اعلام يؤثر بالاموال عليها (الاخوان المسلمون).
الحل في تحرير الجزيرة السورية والاحتلال الصهيوني يتخوف
وبين ادلب والجزيرة السورية يمكن ايضا فك الطوق الكامل اقتصاديا على دمشق، سلة سورية الغذائية والنفطية هناك في الجزيرة والبادية، القوات السورية جاهزة ومستعدة ايضا للصدام مع الامريكي والتركي لتحرير الارض، والعراق وايران وسورية يوقعون عدة اتفاقات اقتصادية ومنها اتفاق لمد خط السكك الحديدية وتفعليه (طهران – بغداد – دمشق) ، لتخرج صحافة العدو الصهيوني محذرة من خطر ذلك على كيان الاحتلال والمشروع التدميري لسورية، وفجأة يسمح الامريكي لبعض ارهابيي داعش قرب التنف بحمايته، لمهاجمة نقاط الجيش السوري، ويزيد التركي ايضا من هجمات النصرة غرب حلب وشمال حماة واللاذقية.
قمة بغداد وكسر الجمود
أما في العراق وهنا اعيدكم الى حديثي في بداية هذا الكلام، حيث حاول الامريكي عزل سورية عن محيطها والعالم، تصدر دعوة رئيس مجلس النواب العراقي محمد الحلبوسي لعقد قمة برلمانات جوار العراق، ويدعو نظرائه الستة في محيطه وهو يعرف عن الخلاف السوري التركي والخلاف السوري السعودي والخلاف السعودي الايراني، وراهن البعض حتى داخل العراق عن فشل انعقاد هذه اللقاء بسبب الخلافات القائمة والرفض الامريكي لاي حل دون ان يكسب منه في صفقة القرن.
لكن المفاجأة كانت اصرار عراقي ادهش الجميع وموافقة من كل جوار العراق على الحضور واول الواصلين الوفد السوري، ولأول مرة منذ بدء الحرب على سورية يجلس على طاولة واحدة رئيس مجلس الشعب السوري مع رئيس مجلس الشورى السعودي ورئيس مجلس الامة التركي وممثل رئيس مجلس الشورى الايراني.
في المعلومات الواردة من بغداد وخلف كواليس الكاميرات كانت الاجواء ايجابية لم يعرقلها اي مشكلة هنا أو هناك، وبداية الصورة التي انشرها مرفقة مع هذه الكلمات حكاية طويلة عن بدء كسر الجمود والحصار الدبلوماسي عن دمشق.
أما خلاصة ما اكتب :
قبل أعوام خاف الاصدقاء على سورية وقلقوا كثيرا وتسائلوا عن مدى مقدرة الرئيس الشاب بشار الاسد للصمود بوجد اكثر من 300 الف ارهابي سوري وعربي واجنبي، وخلال هذه السنوات استطاع الاسد ان يصمد ويقاوم ويستعيد زمام المباردة، لذلك ومثلما نجح في قيادة المقاومة عسكريا .. استطاع بعقلية سياسية فذة المناورة والمقاومة دبلوماسيا، ويحرك اليوم اطراف اللعبة كيفما يشاء واينما يشاء .. طالما أننا محافظون على قضيتنا وموقفنا ومستعدون لقبول أية مبادرة تحافظ على كرامتنا وتحقن دماء ابنائنا في القوات المسلحة السورية.. يتبع.