دخل قرار واشنطن عدم تجديد الإعفاءات الممنوحة للدول التي تشتري النفط الخام الإيراني، حيز التنفيذ، امس، في إطار تشديد العقوبات الأميركية على طهران، بسبب برنامجها النووي وتدخلها في شؤون دول المنطقة.
وطالبت الولايات المتحدة، في 22 نيسان الماضي، الدول التي تشتري النفط الإيراني، بالتوقف عن استيراداه بحلول الأول من ايار، وإلا ستواجه احتمال فرض عقوبات عليها.
وانتهت مهلة استمرت 6 أشهر، منحتها الولايات المتحدة إلى 8 دول، معظمها في آسيا، من أجل التوقف عن استيراد النفط الإيراني، الذي تستخدم طهران إيراداته في تمويل أنشطة تزعزع الاستقرار في المنطقة.
وتأمل الولايات المتحدة أن يوفر إنتاج النفط الأميركي، الذي وصل إلى أعلى مستوياته في التاريخ، حاجة الأسواق من النفط، بحيث يحافظ على سعره منخفضا.
ووفق مصادر مقربة من الإدارة الأميركية، فإن مستشار الأمن القومي جون بولتون، ووزير الطاقة ريك بيري، لعبا دورا كبيرا في إقناع الرئيس الأميركي دونالد ترامب بأن الوقت قد حان لوقف صادرات إيران النفطية كليا.
وقالت المصادر إن بعض موظفي وزارة الخارجية أعربوا عن قلقهم من احتمال ارتفاع سعر النفط بعد القرار، لكنهم اقتنعوا به بعد ذلك، وأيدوا سياسة متشددة تجاه إيران.
ومع بدء عدم تجديد الإعفاءات لمشتري النفط الخام الإيراني، يعقد المبعوث الأميركي الخاص إلى إيران برايان هوك، اجتماعات في مقر الأمم المتحدة في نيويورك، لإطلاع الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن بآخر مستجدات السياسة الأميركية تجاه إيران.
وقالت وزارة الخارجية الأميركية إن هوك سيشدد خلال اجتماعاته على أهمية محاسبة إيران، لتحديها قرارات مجلس الأمن من خلال تطويرها واختبارها للصواريخ الباليستية.
وأضافت الوزارة أن هوك سيؤكد أيضا على الحاجة إلى تطبيق كل القرارات الدولية المتعلقة بإيران، ومنها تقييد سفر مسؤوليها وحظر شرائها للسلاح.
بدورها ردَّت إيران على قرار إدارة ترامب الأخير بإحياء تهديدٍ قديم، إذ هدد قادة عسكريون على مستوى عالٍ، ومسؤولون سياسيون بإغلاق مضيق هرمز الذي يُعد ممراً مائياً استراتيجياً رئيسياً يمر من خلاله خُمس صادرات النفط العالمية تقريباً.
هذه اللهجة ليست جديدة بالطبع؛ فعلى مر السنين الماضية، هدَّد الإيرانيون مراراً بإغلاق المضيق في إطار التوترات السياسية المستمرة بينهم وبين الغرب، وقد كان آخر هذه التهديدات في كانون الأول الماضي، حين حذَّر الرئيس الإيراني حسن روحاني من أن إيران تدرس اتخاذ تلك الخطوة بالفعل إذا مضى البيت الأبيض قُدُماً واستهدف صادرات النفط الإيرانية.
تنفيذ هذا التهديد يظل مستبعداً بشدة على الرغم من امتلاك إيران القوة للقيام به.
لكن على الرغم من كل تهديدات طهران، ما زال الإغلاق الإيراني المباشر للمضيق أمراً مستبعداً بشدة، مع أنَّ الجيش الإيراني لديه القوة العسكرية لفعل ذلك (وهو شيء تُحذِّر منه أجهزة الاستخبارات الأميركية منذ سنوات)، وذلك لأنَّ العواقب الاستراتيجية على طهران ستكون مُدمِّرة.
فبحسب أحد المسؤولين العسكريين الذي تحدث بسرية مجلة The National Interest الاميركية، قبل بضع سنوات: »إذا أغلقت إيران المضيق، سيظل مغلقاً».
فإغلاق إيران للمضيق يعني الحرب بالنسبة لواشنطن، وإيران لا ترغب بذلك
ويعني ذلك أن هذه الخطوة ستُعد بمثابة ذريعة حرب بالنسبة للجيش الأميركي، الذي سيرد رداً حاسماً بفرض حصارٍ مفتوح على المضيق. وهذا سيسفر عن عواقب وخيمة على إيران.
وســتعود هذه الخطوة كذلك بنفعٍ مباشر على إدارة ترامب.
ففي الوقت الراهن، ما زالت السلطات الإيرانية تأمل في أن يواصل عملاؤها الرئيسيون شراء نفطها الخام على الرغم من الضغط الأميركي.
لكنَّ السير المعتاد لواردات تلك البلدان من النفط الإيراني سيصبح مستحيلاً إذا سيطرت الولايات المتحدة على المضيق الاستراتيجي.
إلا أن ذلك لا يعني زوال النفوذ الإيراني على المضيق، فلدى إيران بدائل أخرى.
لكن لا يعني أيٌّ من ذلك أنَّ إيران لا تُمثِّل تهديداً حقيقياً على المضيق.
إذ يمكن للحكومة الإيرانية أن تلحق ضرراً حاداً بالاقتصاد العالمي، ليس بإغلاق المضيق مباشرة، بل بخنق حركة السير فيه.
فعن طريق الحد من الحركة التجارية التي تتدفق عبر ذلك الممر المائي المهم (بإجراء تدريباتٍ عسكرية على سبيل المثال)، يمكن للحرس الثوري الإيراني أن ينجح في رفع التكلفة الحدية للنفط العالمي دون منح الولايات المتحدة ذريعةً واضحة لاتخاذ إجراء مضاد.
وهذه البدائل ستصب في مصلحة حلفاء واشنطن في الخليج وسيلتزمون الصمت.
وعلاوةً على ذلك، فنظراً إلى أنَّ حلفاء أميركا في منطقة الخليج سيستفيدون أيضاً من ارتفاع سعر النفط العالمي، من المرجح أن يلتزموا الصمت تجاه التلاعب الإيراني بالمضيق، على الأقل ما دامت إيران تثبت أنَّها راعية موثوقة للممر المائي.
وبحسب الموقع الأميركي فإن النتيجة الإجمالية ستكون أنَّ إيران ستصبح أكثر مرونة في مواجهة العقوبات؛ لأنَّ ارتفاع أسعار النفط سيدعم الاقتصاد الإيراني حتى مع انخفاض إجمالي حجم صادراته النفطية.
ويبدو أنَّ هذا بالضبط هو ما يفكر به المسؤولون في طهران. إذ أعلنت البحرية الإيرانية للتو خططاً لإجراء تدريبات مشتركة مع روسيا بالقرب من مضيق هرمز في إشارةٍ واضحة للغرب بأنها تمتلك الإرادة والوسائل للتأثير في حركة الملاحة البحرية عبر المضيق إذا تعرَّضت للاستفزاز.
صحيحٌ أنَّ مسؤولي الإدارة الأميركية، عند إعلان إلغاء الاستثناءات المتعلقة باستيراد النفط الإيراني، أعربوا ثقتهم بأنَّ هذه الخطوة لن تُربك سوق الطاقة العالمية، لكنَّ المخاوف بشأن العواقب المحتملة لسياسة ترامب قد أدَّت بالفعل إلى ارتفاع أسعار النفط. وإيران لديها الآن القدرة على جعل الوضع أسوأ في ظل وضعها العسكري في المضيق.
وهذا بدوره يجعل سياسة الإدارة الأميركية عالية المخاطر تجاه إيران أشد خطورة.
لأنه لكي تُعَد تلك السياسة الأميركية ناجحة، لن يحتاج البيت الأبيض فقط إلى تقييد النفوذ الإيراني، بل سيتوجَّب عليه كذلك منع طهران من التلاعب بأسواق الطاقة العالمية لمصلحتها.
جنرال إيراني: سنمرغ أنف الأعداء!!
أعلن مساعد القائد العام للجيش الإيراني للشؤون التنسيقية، العميد حبيب الله سياري، أن «بلاده ستقف في وجه أي تهديد أو أطماع للأعداء».
وشدد سياري، امس على أن «الخليج الفارسي يحظي بأهمية بالغة لدرجة أن دول العالم تحرص على الوجود فيه، إلا أن التاريخ أثبت أننا سنقف دوما بوجه أطماع الأعداء»، وفقاً لوكالة الأنباء الإيرانية.
وقال إن «اسم الخليج الفارسي سيبقى خليجا فارسيا ونمرغ أنف الأعداء، وكلما تمتعت دولة بمكانة أكبر كلما شعر شعبها بمزيد من الفخر والاقتدار».
واعتبر سياري القوة العسكرية إحدى أهم عناصر القوة الوطنية، مؤكدا أن «قوات الجيش يجب أن تكون كفوءة وتتحلي بالقيم الثورية».
وكان القائد العام للجيش الإيراني اللواء عبد الرحيم موسوي دعا جميع القوات المسلحة للتأهب للحرب والاستعداد لأي هجوم ليلي، ومواصلة المناورات لتعزيز القدرات الدفاعية، بحسب وكالة مهر.
وشدد اللواء موسوي على «إعتبار التهديدات التي تعنونها إيران بجدية، موضحا أنه في البداية من الممكن أن لا تكون هذه التهديدات برية، لكن القوات البرية يجب أن تكون على أهبة الاستعداد».
الموقف القطري
انتقدت قطر قرار واشنطن وقف كل صادرات النفط الإيرانية، معتبرةً أنّ العقوبات الأحادية الجانب لا تتسم بالحكمة لكونها تلحق الضرر بالدول التي تعتمد على تلك الإمدادات.
وقال الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني وزير الخارجية القطري إنه ينبغي عدم تمديد العقوبات لأن تأثيرها سلبي على الدول التي تستفيد من النفط الإيراني.
وأضاف، خلال مؤتمر صحفي بعد اجتماع حوار التعاون الآسيوي في الدوحة: «بالنسبة لنا في دولة قطر، نحن لا نرى أن العقوبات الأحادية الجانب تسفر عن نتائج إيجابية لحل الأزمات وإنما نرى أن حل الأزمات يجب أن يكون من خلال الحوار».
وتستضيف قطر التي تعُتبر أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم، أكبر قاعدة جوية أميركية في الشرق الأوسط.
وقال البيت الأبيض إنه يعمل مع السعودية والإمارات لضمان استمرار إمدادات نفط كافية في الأسواق التي شهدت هذا العام بالفعل خفضا للمعروض قادته أوبك.
وانسحبت قطر، إحدى أصغر منتجي النفط في أوبك، من المنظمة في كانون الأول للتركيز على الحفاظ على موقعها كأكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم في تحرك اعتُبر صفعة للسعودية زعيمة أوبك الفعلية.
وحضر مسؤولون من السعودية والبحرين اجتماع الأربعاء في الدوحة في أول خطوة من نوعها منذ قطع العلاقات. ووصف آل ثاني مشاركتهم بالمحدودة، قائلاً إنه لا يوجد مؤشر على عودة الدفء للعلاقات.
وكان الوزير قال في تشرين الثاني إن الدوحة ستواصل التعامل مع إيران، التي ساعدت قطر في الحصول على الإمدادات الأساسية عقب المقاطعة وإنها مستعدة للتوسط بين واشنطن وطهران.