فعبر عقود طويلة من الحرب الباردة مع الاتحاد السوفييتي لم تشكل موسكو الخطر البالغ والتهديد الناشئ المتصاعد الذى باتت تشكله بكين حاليا على وجود أميركا نفسها .
فالصين استفادت من أخطاء الاتحاد السوفييتي الذى انكب لأعوام وأعوام في تطوير آلته العسكرية الجرارة انتظارا لاندلاع مواجهة نووية ساخنة مع حلف الناتو و أهمل الجانب الاقتصادي وظل معتمدا على اقتصاد ريعي هش يعتمد على صادرات النفط والغاز والقمح والذرة مع افتقار السوفييت إلى اقتصاد هجومي قوى قائم على الإنتاج والصادرات ينافس اقتصاد الأميركيين ويقدر على النفاذ واختراق السوق الأميركي والتغلغل الكامل فيه وهو ما أعطى الأميركيين فرص تحطيم الاتحاد السوفييتي من بوابته الاقتصادية المتهلهلة الهشة فكل أسلحة الأميركيين لم تكن تقدر على صعق موسكو ومواجهتها عسكريا والخروج من الحرب معها بانتصار ساحق لكن عمل الأميركيين على النفاذ إلى قلب موسكو وتحطيمها من بوابة اقتصادها الريعى الذى مثل طوق النجاة لتحييد الخطر الشيوعي فخطورة الاقتصاد الريعى أنه عرضة للتأثر بالتغييرات والتوترات الإقليمية والدولية فعمد الاميركيين إلى شن حرب النفط وضرب سعر برميل البترول عالميا بالتعاون مع ممالك وإمارات الخليج العربي وإغراق السوق العالمي بالنفط يفوق بكثير معدلات الطلب العالمي وهو ما أدى إلى ضرب سعر البرميل وتهاويه من 32 دولار إلى حوالى 7 دولارات وهو ما أصاب السوفييت بضربة اقتصادية موجعة تزامنت مع توريط السوفييت في حرب برية مرهقة على الجبال الأفغانية استنزفت الاقتصاد السوفييتي إلى حد مخيف ثم كان صعود عميل الاستخبارات المركزية الأميركية “ميخائيل جورباتشوف” إلى سدة الحكم في روسيا الذى نجح في وضع اللمسة الأخيرة التي أنهت وجود الدولة السوفيتية من خلال إتباع سياسات اقتصادية خاطئة أطلق عليها “البيرسترويكا” أو سياسة الإصلاح والمصارحة التي هدفت ظاهريا إلى إعادة هيكلة المؤسسات الاقتصادية السوفيتية وتنشيط الاقتصاد وقف نزف الخزانة السوفيتية لكنها باطنيا شكلت أخر الخطط الاستخباراتية الأميركية في ضرب روسيا اقتصاديا حتى تهاوت روسيا وتفكك الاتحاد السوفييتي و زال خطره لأسباب اقتصادية بحتة دون حاجة الأميركيين إلى دخول حرب نووية طاحنة فأزمة السوفييت الاقتصادية وما فعلته الولايات المتحدة معهم شكل الدرس الأول لجمهورية الصين الشعبية التي وضعت استراتيجية التفوق الاقتصادي والصناعي أولا قبل حتى تفعيل خطط بناء وترقية قدراتها العسكرية الناشئة حيث تعي الصين أنه دون اقتصاد هجومي قوى لن يكون بمقدور بكين منافسة الاميركيين وبناء قوتهم العسكرية التنافسية التي تحقق التعادل العددي و النوعي مع الجيش الأميركي وأنه دون اقتصاد وصناعة وتكنولوجيا لن يكون بمقدور الصينين النفاذ والتغلغل إلى قلب الأميركيين فاهتمام الصينين بالاقتصاد والصناعة وقطاع التكنولوجيا تحدى نوعى جديد لم يألفه الأميركيين خلال حربهم الباردة الطويلة مع السوفييت تلك الحرب التي اعتمدت على سباق للتسلح قام من خلاله المعسكران على بناء وتكديس الأسلحة النووية والصاروخية والقيام بدوريات الغواصات في المياه العميقة وتنشيط قدرة الردع والرد النووي على مدار 24 ساعة ما يقوم به الصينيون الأن من إعجاز هائل على المستوى الاقتصادي والصناعي والتكنولوجي يثير قلق الأميركيين ويخلق أزمة لا تجد لها أميركا حلا حاسما حتى الأن وتحاول إدارة ترامب تقييد الاقتصاد الصيني وتوجيه ضربات قاسية إليه من خلال فرض التعريفات الجمركية على الواردات الصينية في محاولة لتقليص النفوذ الاقتصادي الصيني واستمرارا لخطة الحرب الاقتصادية الأميركية الشرسة على الصين فرض الرئيس الأميركي دونالد ترامب الجمعة الماضية تعريفات جمركية جديدة على واردات صينية بقيمة 200 مليار دولار وينوى ترامب فرض تعريفات أخرى على واردات جديدة بقيمة 300 مليار دولار إلى جانب محاولات الأميركية لتقييد نشاطات شركات الاتصال الصينية فى الولايات المتحدة وأوروبا فأميركا ترفض وتقاتل لمنع صعود الصين كقطب ثان منافس لها على المستوى السياسي والاقتصادي والعسكري أميركا لا تتقبل فكرة عالم متعدد الأقطاب وتناضل للحفاظ على أحادية القطب و على مكانتها كشرطي للعالم وكقوة مركزية أحادية متفردة فيه لكن المعضلة أن الصين ليست كالاتحاد السوفييتي يقوم اقتصادها على العائد الريعى الهش الذى يمكن ضربه فاقتصادها هجومي قوى وصلب للغاية متغلغل في أنحاء كوكبنا ويستطيع إيلام الاقتصاد الأميركي و رد الضربة الاقتصادية الأميركية بضربة انتقامية مضادة كل ما تحتاجه الصين هو سبعة اعوام فقط حتى تنجح في بناء أشباه المواصلات وتوطين صناعة المعالجات ورقائق الكمبيوتر التي ستحرر صناعتها من المكون الأجنبي بعدها ستكون الصين مؤهلة لسحق العالم فعليا والولايات المتحدة الاميركية تدرك أن ما ينتظرها هو سبعة أعوام فقط بعدها ستزاح اميركا من على قمة العالم لتلحق بالإمبراطوريات الزائلة السابقة فالقرن الحادي والعشرين هو قرن آسيوي بامتياز قرن المحيط الهادئ مثلما عبر الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما وكل محاولات الأميركيين الحالية محاولات لتعطيل وتأخير التقدم الصيني لكن لا حلول حاسمة لمنع الصينين من زعامة العالم غير خيار الحرب النووية الشاملة عدا ذلك لا حلول مطروحة على الطاولة الأميركية .
بقلم: Ehab Katamish