يشهد الوضع العربي اليوم حالة من حالات الاستعمار، من خلال رهن القرار العربي للقوى الأجنبية، وهذا المشهد لم يكن فجائيا بعد أن جاء بعد مراحل متسلسلة من التراجع والاختلاف والتشرذم العربي، وما زاد الوضع سوءا أن العرب هم من فتح المجال لهذه القوى الاستعمارية للتدخل في الشأن العربي، وهذا الاختراق حدث بعد اختفاء القيادات العربية الكبيرة أمثال الزعيم جمال عبدالناصر، وتسلق بعض الأنظمة الرجعية صدارة المشهد العربي، ولا شك أن قوى الاستعمار الأجنبي كانت وما زالت تبحث عن فرصة للعودة إلى المنطقة وقد تحقق لها ذلك، فتمكنت من السيطرة على ثروات المنطقة وفرضت أجندتها وزرعت قواعدها العسكرية، ثم وجهت أدواتها لتنفيذ مخططاتها وهو ما يحدث الآن على الساحة العربية .
لقد حاولت قوى الاستعمار اختراق التضامن العربي وسعت لتحييد مصر القوة الأبرز في النظام العربي منذ عهد عبدالناصر، فعرضت عدة مبادرات للسلام، لكنه رفضها لأن الأراضي العربية واحدة، لا فرق بين سيناء أو الجولان أو القدس أو قطاع غزة، ثم استمرت المحاولات لاختراق النسيج العربي ووحدة الموقف العربي، ومع حدوث أول خرق استعماري للأمة العربية في كامب ديفيد بدأ مسلسل الاختراق يتوسع، وبدأ الاستعمار يعود مجددا على أوجه متعددة سياسيا واقتصاديا وعسكريا وهكذا استمر الاختراق، ووصل بنا الحال إلى تمكن الاستعمار من الوجود في المنطقة بشكل صريح واختراق النظام العربي وفرض هيمنته على القرار السيادي العربي، وأسهم ذلك في زيادة الفجوة بين الأنظمة الرسمية والشعوب، وازدادت الخلافات العربية العربية، واهتزت الثقة بين العرب بشكل أصبح فيه المستعمر الخارجي أكثر قربا من الشقيق العربي، بل وصل الحال إلى ما هو أسوأ فقد جندت قوى الرجعية مقدراتها من المال والسلاح لدعم الإرهاب وتغيير أنظمة في دول عربية أخرى فيما سمي بالربيع العربي الذي جاء في ظاهره الرحمة ومن قبله العذاب، بل جندت وسائل الإعلام ومنابر الدعاة لهذا الغرض، والهدف كان إحداث مزيد من الفوضى وعدم الاستقرار في المنطقة العربية عموما، وتتحكم قوى الاستعمار وكيانها اللقيط بالشأن العربي، كل ذلك حدث في لحظة فارقة من الزمن فقد فيها العرب الوعي والإدراك .
الاستعمار الجديد حاول منذ زمن بعيد اختراق النسيج العربي وقد تحقق له ما أراد اليوم، لذلك لا غرابة اليوم في هذا الاصطفاف العربي إلى جانب قوى الاستعمار في “صفقة القرن” التي رسمت خطتها وبنودها من قبل قوى الاستعمار نفسها، وما على العرب إلا تقديم الدعم السياسي والمالي في سبيل تحقيقها، فأي عجب هذا؟ وأي بلاء تعيشه الأمة اليوم؟
الأمل الوحيد الذي ما زال باقيا هو المقاومة ودعم ثقافة المقاومة التي تتحكم بجزء أصيل من المشهد العربي، وبالأمس القريب تم الإعلان عن صعوبة تحقيق ما سمي بـ”صفقة القرن” وهذه تمثل بداية التراجع وفشل ذريع منيت به هذه الصفقة، وقد سبق أن نوهنا في مقالات سابقة بأن هذه الصفقة ستفشل ولا يمكن تطبيقها، فلماذا يتراجع العدو في تنفيذ أجندته التي خطط لها منذ زمن طويل؟ بلا شك أن المعطيات لم تكن في صالحه وأدرك عراب تلك الصفقة أن الضمانات الرسمية العربية لا تكفي لتحقيقها، وقوى الاستعمار تدرك جيدا ما هي المعوقات والصعوبات التي ستواجه تنفيذ مثل هذه المشاريع في ظل تجاهل الحقوق العربية، وفي ظل وجود نفس عربي مقاوم تتشبث به الأمة وتدعمه الشعوب العربية، وهذا بلا شك يعتبر انتصارا حقيقيا للمقاومة وانتصارا عظيما للأمة نحتفل به اليوم والأمة تعيش فرحة عيد الفطر السعيد، وهذا النصر يذكرنا بالانتصارات التاريخية العظيمة التي تحققت لهذه الأمة في شهر رمضان المبارك عندما صلى المسلمون في المسجد الأقصى في عيد الفطر، فما أعظمها من مناسبة تعطي مؤشرات ودلالات بأن النصر بات قريبا .
القضية الفلسطينية اليوم أصبحت في يد المقاومة وهذه المقاومة سوف تحدد اتجاهها وموقعها على خريطة الأحداث الدولية، وأملنا ما زال كبيرا في تلك المقاومة الباسلة، وفي أولئك الرجال المرابطين في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس بل في فلسطين عموما من النهر إلى البحر، ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله، والله أكبر والعزة لله ولرسوله وللمؤمنين .
خميس بن عبيد القطيطي – الوطن العمانية