الأزمة المشتعلة بين واشنطن وأنقرة، منذ أشهر، على خلفية إصرار الرئيس التركي رجب إردوغان، إتمام شراء منظومة الدفاع الجوي الروسي S-400، تشهد اليوم فصلاً جديداً، حيث كشفت شبكة “سي إن إن” الإخبارية الأمريكية، عزم واشنطن تنفيذ تهديدها، بسحب عرض منظومة الدفاع الجوي “الباتريوت” رسمياً .
صحيفة “يني تشاغ”، أوضحت امس الجمعة، أن مسؤولاً بوزارة الخارجية الأمريكية، تحدث لقناة “سي إن إن”، قائلاً :”قلنا إذا استمرت تركيا في استلام S-400، التي استلمت بالفعل المجموعة الأولى منها، سنسحب عرضنا الأخير فيما يتعلق بـ نظام الباتريوت”.
شركة رايثيون الأمريكية، المتخصصة في أنظمة الدفاع، وأحد أكبر 10 شركات الدفاع في العالم، والتي تنتج أنظمة الدفاع الجوي “باتريوت”، تهربت من التعليق على القرار، موضحة أن الموضوع مسألة تخص الدولة.
يُذكر أن وزارة الخارجية الأمريكية وافقت على بيع صواريخ باتريوت لأنقرة في ديسمبر الماضي، بينما رفضت تركيا الأنظمة الأمريكية مرتين، أولاً عندما عقدت صفقة لشراء أنظمة صينية بديلة ثم تخلت عنها لاحقًا، لتتعاقد على شراء أنظمة S-400 الروسية بقيمة 2.5 مليار دولار في العام 2017.
أعرب المسؤولون الأمريكيون عن قلقهم من أن نظم الرادار في صواريخ S-400 ربما تتجسس على مقاتلات F-35 الأمريكية، وهو ما دفع إدارة ترامب لإخراج أنقرة من برنامج تطوير مقاتلات F-35.
وصنّعت تركيا أجزاء من هيكل المقاتلة وعجلات الهبوط، وكانت تخطط لبناء مستودع لإصلاح محركات المقاتلات.
بالرغم من أن القانون الأمريكي الصادر منذ عامين، والذي ينص على معاقبة كبار المشترين للمعدات العسكرية الروسية، إلا أن ترامب تردد في فرض العقوبات على تركيا رغم دعوات النواب الجمهوريين في الكونجرس لاتخاذ تلك الخطوة.
وأُجريت تعديلات على “قانون مكافحة أعداء أمريكا من خلال العقوبات” (كاتسا) الذي وقّع عليه ترامب في أغسطس 2017، بعد مرور عام، وذلك للسماح بمنح إعفاءات لحلفاء الولايات المتحدة في آسيا الذين يعزفون إلى حد كبير عن شراء الأنظمة الروسية.
وصرح الخبراء لموقع المونيتور الأمريكي في وقت سابق من هذا العام أن مثل هذا التساهل من غير المرجح أن يشمل حليفا للناتو مثل تركيا.
قال آرون شتاين، مدير برنامج الشرق الأوسط في “معهد أبحاث السياسة الخارجية” الأمريكي ومقره في ولاية فيلادلفيا: “أعتقد أن هناك خللاً في قانون كاتسا، لكن هذه الملحمة لم تنته بعد وسيتم بحثها مرة أخرى”. وأضاف: ” الكونجرس غير مستعد للتهاون مع تركيا أو ترامب في حال قامت أنقرة بتشغيل المنظومة الروسية في المستقبل القريب. ويجب إلغاء بيع صواريخ باتريوت إلى تركيا بعد استبعادها من برنامج مقاتلات F-35″.
وصرح أحد المسؤولين في البيت الأبيض للمونيتور أن العقوبات التي تستهدف روسيا تهدف إلى تقويض جزء كبير من اقتصاد موسكو من خلال منع حلفاء الولايات المتحدة من شراء المعدات العسكرية الروسية.
القائم بأعمال وزير الدفاع الأمريكي، باتريك شاناهان، قال في خطاب إلى نظيره التركي، هاكان فيدان، بتاريخ 6 يونيو الماضي، :”إنه لا تدريب جديد للطيارين الأتراك على F-35، التدريب لن يجرى لأننا نعلق مشاركة تركيا في البرنامج، ومن ثم لن تكون هناك حاجة بعد ذلك للحصول على مهارات تلك الأنظمة”، وفقا للنص الذي نشرته صحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانية وقتها.
الخطاب الوزاري، نصّ صراحة على استبعاد أنقرة من برنامج F-35 الذي كانت توجد فيه من ضمن المنتجين المشتركين، كما أغلق الباب دون استلام تركية أيًّا من تلك الطائرات، :”لن تحصل تركيا على طائرة F-35 إذا تسلمت منظومة S-400″، حسبما قال المسؤول الأمريكي في الخطاب.
وبناءً على ذلك، أعلنت شركة “لوكهيد مارتن” المنتجة للطائرات F-35، أنها بدأت إنتاج الأجزاء التي يتم إنتاجها بأنقرة، في أمريكا وأنها أخرجت الشركات التركية من سلسلة الإنتاج.
تطلعات روسية
مساعد الرئيس الروسي يوري أوشاكوف، أكد خلال تصريح له منتصف أغسطس الجاري، أن موسكو تدرس مسألة تزويد تركيا بالدفعة الثانية من أنظمة الصواريخ “S-400” في إطار الاتفاقات الحالية، التي يتم تنفيذها بشكل نشط.
أوشاكوف، أكد أن روسيا وتركيا تتفاوضان على مجموعة واسعة من قضايا التعاون العسكري بينها توريد مقاتلات “su-35” بجانب الدفعة الثانية من صواريخ “S-400”. أوشاكوف، رد على أسئلة الصحافيين، حول إمكانية تزويد أنقرة بالمقاتلات الروسية بدلاً من المقاتلات الأمريكية “F-35″، قائلاً :”إن روسيا وتركيا تتفاوضان على مجموعة واسعة من قضايا التعاون التقني العسكري، لن أتحدث عن موضوع المقاتلات”.
أنقرة تواصل التصعيد
تركيا، استقبلت طائرات روسية تحمل أولى شحنات الدفعة الأولى من منظومة S-400، بداية من 12 يوليو الماضي، في خطوة أدت إلى توتر العلاقات بشكل كبير مع الولايات المتحدة.
وكالة “رويترز”، نقلت في 27 يوليو الماضي، عن مسؤولين عسكريين أتراك، أن أول دفعة من أنظمة الدفاع الروسية من طراز S-400 إلى تركيا اكتملت، ومن المقرر أن تصل دفعة ثانية إلى أنقرة قريباً.
الرئيس التركي، رجب إردوغان، قال في تصريحات سابقة، :”إن كامل منظومة S-400 تصل تركيا بحلول أبريل 2020″، واصفاً الصفقة التي تعترض عليها واشنطن، بالأعظم في تاريخ تركيا.
صحيفة “جمهورييت” التركية، أفادت مطلع الشهر الجاري، بأن أنقرة تنتظر أن يبدأ توريد الدفعة الثانية من منظومة S-400 الصاروخية الروسية إلى تركيا عام 2020. الصحيفة، نقلت عن رئيس سكرتارية الصناعات الدفاعية في تركيا، إسماعيل دمير، قوله :”من الممكن أن يبدأ توريد الدفعة الثانية من S-400 الروسية العام المقبل”.
في 17 يوليو الماضي وبعد 5 أيام من استلام تركيا للدفعة الأولى من منظومة S-400، أصدر البيت الأبيض بياناً، أعلن فيه استحالة استمرار تركيا في برنامج الطائرات الأمريكي F-35، قائلاً :”قرار تركيا شراء المنظومة الروسية يجعل من المستحيل استمرار مشاركتها في برنامج المقاتلة الأمريكية”.
البيان الأمريكي، تابع :”الطائرة F-35 لا يمكن أن تتعايش مع منصة روسية لجمع معلومات المخابرات، إذ ستستخدم للاطلاع على قدراتها المتقدمة”، مضيفاً :”أن قبول صواريخ S-400 يقوض الالتزامات التي قطعها جميع حلفاء الناتو على بعضهم البعض بالابتعاد عن الأنظمة الروسية، “وسيكون لذلك أثر ضار على العمل المشترك بين تركيا والناتو”.