مصيبة نتنياهو

في تلك السهرة الدمشقية (الأبدية) مع محمد الماغوط، سألني «في نظرك، من يحاسب الله حين يخطئ؟». ثم «ألا تعتقد أن الله أخطأ بصناعة العرب؟».

وعندما نقلت اليه قول شاه ايران لأحمد بهاء الدين «من هنا ـ أي من ايران ـ الى مصر، لا بشر»، علّق على الفور «وأنا أقول، من المحيط الى الخليج لا بشر».

هذا حين نرصد ردات الفعل على وعد بنيامين نتنياهو للناخبين بالحاق غور الأردن باسرائيل. وكنا قد توقعنا أن يعترف دونالد ترامب، لدى انطلاق حملته الانتخابية، بالضفة كلها جزءاً من أرض الميعاد…

كنا نتصور أن الشبق الى السلطة «مصيبة العرب». لكأن زعيم الليكود أصيب باللوثة اياها. لم نجد في «اسرائيل» رئيس حكومة ارتبط، هيستيرياً، بالكرسي، الى ذلك الحد.

مشكلة نتنياهو أن أبواب الحرب مقفلة أمامه. اذا كان آرييل شارون قد دخل الى بيروت، وكان يحلم بأن يرى دباباته تجوب شوارع القاهرة، خطط هو، بالتنسيق مع بعض الحكام العرب، لغزو دمشق.

دمشق التي قال سفر اشعيا انها تزول من بين المدن، وتغدو ركاماً من الأنقاض. غريب أن يكون هنري كيسنجر هو من حذره من ارتكاب ذلك الخطأ القاتل «لأن دمشق قد تتحول الى مقبرة لجنودك». في رأيه «أن النيران تلعب، منذ بدايات التاريخ، في رؤوس أهل هذه المدينة»!

أحمد أبو الغيط، ولطالما ضبطناه وهو يغط في النوم، استفاق وندد بوعد نتنياهو. هل كنا نتوقع أن يتحول محمود عباس، بين ليلة وضحاها، الى عنترة بن شداد، وهل كنا نتوقع من صائب عريقات أن يتخلى عن الهذيان الديبلوماسي، أو أن يخلع ثوب الببغاء؟

«الاسرائيليون» وصفوا كلام نتنياهو بـ«التافه». لاحظوا مدى الزبائنية، ومدى المكــيافيلية، في رأســه. سألوا: لماذا لم تفعل ذلك الا قبل أيام من يوم الحساب؟

ثم ان الولايات المتحدة تغض الطرف عن القضم التدريجي. لا تستسيغ الهزات الدراماتيكية منعاً لأي تداعيات على العروش التي شاركت في ما هو أكثر كارثية بكثير. صفقة القرن تلحظ الغاء الفلسطينيين. أي قيمة للأرض اذا ما عومل أهل الأرض كجاليات عابرة، وتذوي، أو تذوب، في الزمن؟

العرب لا يقتلون، ولا يقاتلون، سوى العرب. مرة ثانية انها مصيبة نتنياهو الذي كان يرغب في الوصول على ظهر دبابة، أو على ظهر التاريخ، الى صناديق الاقتراع. الوعد ظهر في لحظة كاريكاتورية، وان عكست ما يجول في رأس ديناصورات الهيكل حول الأرض الفلسطينية، على أنها أرض يهوه، ولا بد من استعادتها.

لا داعي للحــرب ما دامت لعــبة الدومينو «شغّالة»، وحيث الدولة العربية تلو الأخرى تتحول الى ركام.

وعد نتنياهو للبقاء في رئاسة الحكومة حمل المعلق الأميركي، الهندي الأصل، فريد زكريا على التساؤل عن «الوعد، والوعيد، الذي ننتظره من دونالد ترامب للبقاء في البيت الأبيض». أورد سلسلة من التكهنات التي لا يخلو بعضها من الغرائبية.

من أطرف تلك التكهنات «أن يطلّق زوجته ميلانيا» ليس لأنها لا تطيق وجوده الى جانبها. الشائعات تلاحقها بأنها دخلت، بالكعب العالي، الى رؤوس بعض الحكام العرب. قد تغدو أكثر ثراء من زوجها الذي يمكن أن تنفصل عنه اذا لم يتمكن من التجديد لولاية ثانية. من التكهنات أيضاً «سأفجّر أميركا ان لم تعيدوا انتخابي».

لا شيء سوى تلك الأرمادا اللغوية في ردات الفعل العربية. من زمان سقطت ورقة التوت عن وجوهنا. اليوم سقطت وجوهنا. لن نقول ان الله أخطأ. نقول، كما الماغوط، من المحيط الى الخليج… لا بشر !!

نبيه الرجي – الديار

Related Posts

Next Post

آخر ما نشرنا