“رأي اليوم”
تُتابِع المؤسسة الإسرائيليّة الأمنيّة والعسكريّة والسياسيّة تداعيات الأزمة الاقتصاديّة التي تعصف بلبنان، وتخشى الدولة العبريّة من أنْ تكون هذه الأزمة الخانِقة بصالح حزب الله، الذي بقوّته العسكريّة سيُسيطِر على لبنان، التي ستتحوّل من دولةٍ فاشلةٍ إلى مؤسسةٍ مُفلسةٍ، على حدّ تعبير المصادر في تل أبيب.
وفي هذا السياق، رأت مصادر سياسيّة وأمنيّة بكيان الاحتلال الإسرائيليّ أنّ لبنان غارق في أزمة اقتصادية مستمرة يمكن أنْ تؤدي إلى الانهيار إذا لم يوفر له وبسرعة مصادر تمويل جديدة للدين العام الذي يبلغ 86 مليار دولار (150 في المائة من إجمالي الناتج المحلي)، ويقنع مستثمرين بإقامة مصانع جديدة تستوعب عشرات آلاف العاطلين عن العمل وزيادة حجم التصدير، وبالأساس اجتثاث الفساد الإداري العميق الذي يسرق المليارات من مداخليه.
ووفقًا للمُستشرِق د. تسفي بارئيل، مُحلِّل الشؤون العربيّة في صحيفة (هآرتس)، وفقًا له فإنّ الاقتصاد المتدهور عنوان المظاهرات، ولكن الخوف من نقص الدولارات هو ما أخرج المواطنين للتظاهر في هذا الأسبوع، مُضيفًا: صحيح أنّ الحكومة اللبنانيّة أعلنت فعليًا أنّه لا يوجد نقص في الدولارات، لكن الأمور في السوق تبدو شيئًا مختلفًا، على حدّ قول المصادر، التي أضافت أنّه لدى لبنان تعهد من الدول المانحة بإقراضه 11 مليار دولار، ولكن هذا القرض مشروط بتطبيق خطة إصلاح كبيرة لم تدخل حتى الآن إلى حيز التنفيذ.
ولفت المُستشرِق، نقلاً عن المصادر عينها، إلى أنّ الميزانية التي صودق عليها في شهر حزيران (يونيو)، بعد عدة أشهر من النقاشات، تتحدث في الواقع عن تقليص القوة العاملة في القطاع العام وتجميد وظائف تم إخلاؤها وخفض بنسبة 3 في المائة من مخصصات التقاعد لموظفي الدولة والمتقاعدين العسكريين، وإلزام أعضاء البرلمان بدفع ضريبة على سياراتهم ورفع الضريبة على الفائدة التي يتم الحصول عليها من الإيداع في برامج التوفير، ولكن معارضة الجمهور لهذه الخطوات والاعتبارات السياسية تعيق تنفيذ الخطة في هذا الوقت، كما زعمت المصادر في تل أبيب.
وتابع د. بارئيل: في هذا الأسبوع نشرت صحيفة “الأخبار” استنتاجات مجلس الشفافية للقطاع العام، التي يتضح منها أنّ الحكومة دفعت في العام 2017 عشرات ملايين الدولارات للمقربين منها ولمنظمات لم تكن تحت الرقابة ولمشاريع لم يتّم تنفيذها، كما قالت الصحيفة اللبنانيّة.
ولفت المُستشرِق إلى أنّ مثالاً آخر على الطريقة التي يتم فيها اتخاذ، أوْ أكثر دقة، عدم اتخاذ قرارات، تتعلق بتزويد الكهرباء في الدولة، فلبنان يتغذى بالأساس من مولدات خاصة ومن خطوط كهرباء لشركة الكهرباء الحكومية التي تُعاني من عجز كبير، الأكبر من بين الشركات الحكومية.
وتابع قائلاً: إنّ الحكومة لم تُقرِّر بعد كيف ستُعالج نقص الكهرباء، في حين تناولت النقاشات الأخيرة مسألة إذا ما سيجري إيجاد حل دائم يستمر فترة طويلة، أوْ الذهاب إلى حلول مؤقتة إلى حين الاتفاق على حل دائم، ولكن اقتراحات الحلول المؤقتة تظل إشكالية أيضًا: هل سيتّم شراء الكهرباء بواسطة سفن مولدات كبيرة أوْ تركيب مولدات برية؟ مؤكّدًا أنّ حزب التيار الوطني الحر المحسوب عليه رئيس الدولة مشيل عون، وحزب المستقبل لرئيس الحكومة سعد الحريري، يفضلان السفن، زاعمًا أنّه جرت “حياكة” عطاء يناسب سفن الكهرباء التي تستطيع تركيا توفيرها، ولكن سلطة العطاءات تعارض هذا العطاء لأنّه، حسب رأيها، لا يقترح شروطًا متساوية لمشروع توفير الكهرباء على اليابسة، كما أكّدت.
وشدّدّ المُحلِّل الإسرائيليّ، نقلاً عن مصادره في تل أبيب، على أنّه خلافًا للسفن التي لا يطلب منها دفع أجرة لمكان الرسو، فإنّ مَنْ يشغلون المولدات على اليابسة سيضطرون إلى شراء أوْ استئجار قطعة أرض، والاقتراح الآن هو أنْ تتحمّل الحكومة تكلفة استئجار الأرض من أجل مساواة الشروط لنوعي التزويد، وإلى أنْ ينجح أحد ما في اتخاذ قرار سيستمر المواطنون في دفع ثمن مرتفع للكهرباء غير المنتظمة، كما أكّدت المصادر الرفيعة بالكيان.
واختتم المُستشرِق د. بارئيل تحليله، الذي اعتمد على مصادر سياسيّةٍ وأمنيّةٍ واقتصاديّةٍ في الدولة العبريّة، اختتم بالقول إنّ هذه الاستنتاجات تضع لبنان على مسار التدهور الخطير الذي سيتحوّل فيه من دولةٍ إلى مؤسسةٍ مُفلسةٍ، لذلك، سيكون لهذا تداعيات تهديدية أيضًا على قدرته في مواجهة عصيانٍ مدنيٍّ سيندلع لأسبابٍ اقتصاديّةٍ وسيتّم استغلاله لأهدافٍ سياسيّةٍ وعسكريّ، وَمَنْ يخشى وجود عشرات آلاف الصواريخ لدى حزب الله يجب أنْ يخشى أكثر من أزمةٍ اقتصاديّةٍ عميقةٍ يُمكِن أنْ تزيد قدرة حزب الله على السيطرة في لبنان، طبقًا للمصادر الإسرائيليّة، التي وُصِفَت بأنّها واسعة الاطلاع.