كان هاجس القائد المؤسس حافظ الأسد منذ الساعات الأولى لتوليه دفة قيادة الدولة والمجتمع، هو محو آثار نكسة حزيران من صميم الإنسان العربي وبعث ثقته بنفسه وقدرته على النصر وتحطيم أسطورة «الجيش الذي لا يقهر» وكان له ذلك.
فبعد التخطيط والعمل الدؤوب وتوفير كل مستلزمات النصر بصمت وسرية، حولت استخبارات العدو إلى هياكل عمياء وصماء، جاءت حرب تشرين كما أرادها القائد المؤسس حرباً تحريرية، وهكذا كانت بداية الملحمة.
لم تكن مصادفةً أن ساعة الصفر «الثانية بعد الظهر من يوم السبت السادس من تشرين الأول العاشر من رمضان» فهذه الأيام والمواقيت والمناسبات لم تأتِ عفو الخاطر وإنما خطط لها بدقة وعلى مدار شهور القائد المؤسس شخصياً.
فاختير يوم السبت لأنه يصادف «عيد الغفران» لدى الصهاينة، وفي هذا اليوم تكون القيادة الصهيونية بحالة إجازة وأغلبية القادة العسكريين في منازلهم، واختير رمضان لأنه شهر مبارك وجلّ معارك العرب الخالدة والمتوجة بالنصر كانت فيه، والأهم من كل ذلك أن العدو لم يحسب أن السوريين والمصريين سيحاربون في هذا الشهر لأنه شهر صيام مضنٍ للنفس والجسد، أما ساعة الصفر «الثانية بعد ظهر» فقد تجلى فيها إيثار الجيش العربي السوري وقائده البطل لإخوانهم المصريين على أنفسهم بعد أن اعترضوا على التوقيت لأن الشمس صباحاً ستكون في وجوههم أما بعد الظهر فستكون أشعة الشمس في وجوه السوريين وقد تفاجأت القيادة المصرية بقبول السوريين بهذا التوقيت لدرجة أن الفريق أول أحمد إسماعيل وزير الدفاع المصري قال: هكذا أنتم أيها السوريون أحفاد جول جمال الذي علّم جنودنا درساً في التضحية في بحر الاسكندرية 1956، وها أنتم اليوم دائماً سباقون من أجل المصلحة القومية».
وهكذا، قاتل بواسلنا في ظروف صعبة جداً أفقدته كل ميزات والمباغتة كي لا تؤجل معركة التحرير وكي لا يكون لأي كان ذريعة للتملص أو الانسحاب، وكانت إرادة الجندي العربي السوري أقوى من خط «آلون» ومن كل تحصينات العدو فسقطت سريعاً تحت أقدامه.
ما أشبه اليوم بالأمس، فالجيش الذي سجل ملاحم البطولة والتضحية والنصر في تشرين، هم اليوم أحفاده يسجلون منذ ثماني سنوات ملاحم البطولة والتضحية على مساحة الأرض السورية، وإرادتهم كإرادة أجدادهم لا تحدها حدود ولا تقف في وجهها صعوبات، فخط القيادة هو ذاته لم يتبدل، وما هذا الشبل إلا من ذاك الأسد.