سوريا تدفع الثمن.. منذ أن أحكمت أميركا قبضتها على العراق، وطلبت من الرئيس السوري بشار الأسد التخلي عن دعم حماس وحزب الله وقطع العلاقة مع إيران، ورفضه ذلك تماما، بل قام بدعم المقاومة العراقية شيعة وسنة ضد الجيش الأميركي، والتي أرهقته حتى انسحب من العراق، لكنه لم ينسحب من الانتقام، ظلت سوريا تحتضن كافة الفصائل الفلسطينية، التي رفعت شعار المقاومة ضد إسرائيل، بما فيها حماس التي تعادي الرئيس بشار اليوم، بات الانتقام جليا، بعد أن تأكدت كل الدول الغربية من استحالة إسقاط الدولة السورية عسكريا، فقررت كسرها من الداخل.
وبدأت عملية زرع العملاء في قلب الدولة السورية، كانت المهمة تخريب سمعة القيادة السورية، مع تجهيز جيش من المتشددين الإسلاميين وكتائب من الإعلام المضلل، وقامت حرب ضروس على سوريا، وانقلب الحنان السياسي إلى انتقام وتدمير وسلب ونهب، عندما قامت دول بعينها بفتح مطاراتها وحدودها للمقاتلين للذهاب إلى سوريا، وأغلقت معظم الدول سفاراتها، وقطعت علاقاتها مع الدولة السورية، ومولت بعض الدول الفضائيات الكاذبة، وسمحت للمؤتمرات المضللة ببث سموم التحريض على هؤلاء البسطاء من الشعب السوري المغيب لتدمير وطنه.
والآن الجميع يتباكى على وحدة التراب السوري، وعلى “نبع السلام” التركي، لكن أين كان هذا الحنان الدولي عندما تملكت الجميع رغبة السيطرة على سوريا من أجل نقل خطوط الطاقة من الخليج إلى أوروبا عبر سوريا لكسر الحاجة إلى الغاز الروسي؟ وأين الحنان الروسي ذاته عندما تحالف مع الرئيس بشار الأسد فقط من أجل ميناء طرطوس السوري المطل على البحر المتوسط، حيث تحتفظ روسيا بقاعدة بحرية استراتيجية لردع أوروبا وقت الحاجة؟
وما هذا الحب الذي ظهر بشكل مفاجئ من بعض الدول العربية التي دعمت من قبل بشكل مباشر العصابات الإرهابية من أجل تصفية الحسابات وإسقاط حكومة الرئيس بشار؟ بل تآمروا عليها بأن أسقطوا عضوية سوريا في جامعة الدول العربية؟ وما هذا الحنان الأميركي الذي ترك سوريا ثمانية أعوام كاملة، دمرت فيها معظم المدن السورية تدميرا تماما، في حرب عصابات قذرة ضد الجيش العربي السوري، راح ضحيتها نصف مليون سوري وضعفهم من الجرحى، مع تشريد أربعة ملايين آخرين؟ والآن ترامب يهدد تركيا بتدمير اقتصادها إذا تجاوزت المتفق عليه، وقد سحب قواته ليعطي الضوء الأخضر للتوغل التركي داخل الأراضي السورية لتقسيم الغنائم.
وما هذا الحنان التركي الذي يسعى لوحدة التراب السوري، وإقامة “منطقة آمنة” بعمق 23 وعرض 480 كيلومترا لإعادة توطين مليوني لاجئ سوري من تركيا على أراضيهم؟ أنا لا أفهم كيف يتم إقامة “منطقة عازلة أو آمنة” لأصحاب الأرض في وطنهم؟ أعتقد أن الحنان التركي الذي يخشى عليهم من العودة لديارهم، ويرغب في رعايتهم بنفسه داخل الخيمة التي يشرف عليها بدلا من المساعدة الإنسانية في إعادة إعمار وطنهم المدمر. وما هذا الحنان الذي يمهد لعملية سحق مواطنين أكراد سوريين في وطن ذات سيادة؟ لقد تدفق الحنان حيث معظم أصول النفط السوري، وكميات هائلة من الغاز يقع في الشمال الشرقي الخاضع للسيطرة الكردية، إضافة إلى مساحات شاسعة من أجود الأراضي الزراعية الخصبة، إنها الرغبة في نهب مقدرات الشعب السوري.
الأكراد هم أكبر مجموعة عرقية في العالم بدون دولة، معظمهم من المسلمين السنة، ويبلغ عددهم 30 مليون نسمة، وتنقسم أراضيهم ما بين سوريا والعراق وتركيا وإيران، أما أكراد سوريا البالغ عددهم 1.8 مليون نسمة فيرغبون في حكم ذاتي، لكن تعثرت مفاوضاتهم مع الحكومة السورية، التي فقدت بدورها السيطرة على تلك المناطق، هؤلاء الأكراد حاربوا بجانب القوات الأميركية ضد مسلحي “داعش”، وفقدوا أكثر من 11 ألف مقاتل من قواتهم التي تحارب تركيا تحت مسمى جيش سوريا الديمقراطية، ويحتفظون في سجونهم بخمسة آلاف مقاتل داعشي، بالإضافة إلى ألف أجنبي من أكثر من 55 دولة، وتقوم الآن عملية ما يسمى بـ”نبع السلام” التركية باقتحام السجون وتحريرهم لعمليات حنان أخرى، بعد أن باعت أميركا الأكراد وقضيتهم.
العالم الآن في انتظار الأسوأ، فقد يؤجج التوغل التركي مزيدا من التوترات على مدار أعوام قادمة، تجعل أنقرة في مواجهة تمرد كردي طويل الأمد، إضافة إلى هروب هائل لمقاتلي “داعش” من سجون قوات سوريا الديمقراطية، سينتج عنه بلا شك إحياء قدرات التنظيم الإرهابية، وفي إطار الحنان الدولي ستدمر وتقسم وتنهب دول عربية أخرى.
*صحفي مصري