أمام سيطرة الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية على الاقتصاد العالمي، ظهر تكتل جديد من دول في مختلف القارات يحاول كسر النفوذ الغربي على معظم اقتصاديات العالم ولهذا الغرض ظهرت فكرة تأسيس الـ«بريكس».
ماهي «بريكس»؟
في عام 2001 صاغ جيم أونيل، والذي كان كبيراً لخبراء الاقتصاد لدى غولدمان سايكس البنكية مصطلح «بريك» لوصف الأسواق الناشئة في كل من البرازيل، روسيا، الهند، الصين، ومنذ عام 2000 إلى عام 2008 ارتفعت حصة هذه البلدان الأربعة في الناتج المحلي بسرعة من 16% إلى 22% وكان أداء اقتصادها أفضل من المتوسط أثناء فترة الركود العالمي.
ولتأسيس تكتل اقتصادي عالمي جديد يقف في وجه الاقتصاد الغربي الذي تقوده الولايات المتحدة، اجتمع وزراء خارجية الدول الأربع – آنفة الذكر- في أيلول 2006 وقرروا إقامة تكتل اقتصادي يقف في وجه التكتل الاقتصادي الذي تقوده الولايات المتحدة الذي تشارك فيه معظم دول أوروبا الغربية، ثم بدأت سلسلة من الاجتماعات رفيعة المستوى توّجها اجتماع دبلوماسي واسع النطاق في مدينة ايكاترنيبرغ في روسيا وذلك في 16 أيار عام 2008 ثم جرت سلسلة اجتماعات سنوية منذ عام 2009 بشكل متواصل للدول الأعضاء في هذا التجمع مع تناوبها على استضافة تلك الاجتماعات، كما عقدت قمتان لهذه المجموعة بين عامي 2009-2010 سميت «بريك» ما لبثت أن انضمت إليها جنوب إفريقيا عام 2010 وسميّت «بريكس».
والسؤال: ما أهداف تلك المجموعة؟
يعد تكتل «بريكس» منظمة دولية مستقلة تعمل على تشجيع التعاون التجاري والسياسي والثقافي بين الدول المنضوية بعضويته، وتعد كل دول «بريكس»، باستثناء روسيا، دولاً نامية أو صناعية جديدة، حيث تتميز بضخامة اقتصاداتها، وقد حققت هذه الدول الأعضاء نمواً مستداماً أكثر من معظم البلدان الأخرى خلال فترة الكساد العالمي.
وربما تكمن أهمية «بريكس» في نصيبها من احتياطي العملات الأجنبية، وهذه الدول تعد من أكبر عشر دول تحتفظ باحتياطات نقدية تبلغ نحو 40% من مجموع احتياطي العالم، إذ تملك الصين وحدها 204 تريليونات دولار وهو ما يكفي لشراء ثلثي شركات مؤشر «ناسداك» مجتمعة، كما تعد ثاني أكبر دائن بعد اليابان، لكن الأكثر أهمية بالنسبة لروسيا – وكما هو الحال بالنسبة للآخرين – أنهم يرون أن المجموعة وسيلة لإخبار الولايات المتحدة أن أكبر الدول النامية لها خياراتها وأنه ليست كل الطرق تقود إلى واشنطن.
ثمة تحديات تواجه دول «بريكس» منها ضرورة تسريع الإصلاحات، وتحقيق مهمة تدويل عملاتها المحلية، لذلك فإن تدعيم التعاون النقدي بمختلف المستويات يمثل حاجة مشتركة بين دول المجموعة لتدويل عملاتها المحلية.
وتسعى دول الـ«بريكس» إلى أن يكون لها في المستقبل عقد الصفقات التجارية وتبادل سندات القروض عبر تأسيس آليات نقدية ثنائية بين الدول الخمس وتأسيس قاعدة تعاون استثمارية وتجارية مشتركة، إضافة إلى تأسيس منظومة تعاون نقدية متعددة المستويات بين دول المجموعة، وبذلك يمكن من خلال إطار التعاون المالي بين دول المجموعة دفع احتساب التجارة بالعملة المحلية والتوسيع المستمر لنطاق مجال تبادل اعتماد العملة المحلية بالعلاقات الثنائية أو متعددة الأطراف بين الدول الخمس، الأمر الذي سيسهل المبادلات التجارية والاستثمار بين دول المجموعة ويدفع بالتعاون والاستثمار المشترك بينهما.
ويمكن لمجموعة «بريكس» بسدس احتياطها تأسيس صندوق بحجم صندوق النقد الدولي.
وقد وفرت العملات والأصول الأجنبية حماية وأماناً ضد الكساد الكبير الذي تعرضت له الدول الغربية وساعدت «بريكس» لتصبح قوة مالية، علاوة على كونها قوة اقتصادية في وقت تناضل فيه معظم الدول الغربية من أجل كبح جماح العجز في ميزانياتها وارتفاع ديونها.
تعد مستويات الدين العام لـ«بريكس» متواضعة ومستقرة في الغالب باستثناء الهند، ولعل برامج «بريكس» للتنمية ومحاربة الفقر تحتل مرتبة أعلى بالنسبة لأعضاء «بريكس» التي تحاول تنويع اقتصاداتها وتتحدى الأفكار الغامضة للعولمة، منها في الدول الغربية.
إن دول «بريكس» لا يشملها تحالف سياسي، إلا أنها تنسق فيما بينها للتأثير في الاتفاقيات التجارية الأساسية، فلديها القدرة على تشكيل تكتل اقتصادي خارج إطار المجموعة الصناعية للدول السبع، فدول «البريكس» أكثر تطوراً في المجال الاقتصادي في العالم، وهذا الأمر تدعمه اقتصادات هذه الدول ومنها البرازيل التي تعد عملاق أمريكا اللاتينية ومن أكثر الدول المنتجة للمواد الخام، وروسيا التي تعد مصدراً عالمياً للطاقة الكامنة والغاز، والهند المصدر المهم لتكنولوجيا المعلومات، أما الصين فتملك موقعاً إنتاجياً وديمغرافياً متقدماً ومتطوراً، وأخيراً جنوب إفريقيا التي تعد منطقة تعدين مهمة عالمياً، ولها موقع استراتيجي عالمي مهم جداً، بإشرافها على المحيط الهندي والأطلسي معاً. هذه الركائز المهمة التي تتمتع بها دول «بريكس» كانت العامل الأهم الذي استطاعت من خلاله تجاوز الصعوبات والأزمات – وبعضها مزمن – بإصلاحات سياسية مهمة كي تتمكن من الدخول في الاقتصاد العالمي، إذ تركز دول المجموعة بصورة دقيقة على التعليم والاستثمار الخارجي والمشاريع الصناعية المحلية الضخمة مع دعمها بوزن دبلوماسي أكثر على الصعيد الدولي.
عن « إيكونومست» البريطانية – ترجمة وتحرير – إيمان الذنون – تشرين