يسألونك عن لبنان.. فتجيبهم: تكفينا همومنا في سورية!..
لكن.. من يستطيع أن يدعي أن همومنا ليست من مصادر خارجية, إقليمية ودولية؟!.. ومن يستطيع أن يدعي أن «الخارج» لم يتسرب إلى الداخل عبر الإرهابيين ودعمهم وتمويلهم, بل عبر الوجود المباشر لجيوش نظامية أجنبية على أرضنا؟..
إن الاهتمام بما يحصل في جوارنا والمنطقة والعالم عنصر أساس في إطار مجمل اهتمامنا «بهمومنا».. وما يحصل في لبنان والعراق وفلسطين واليمن – لا شك – من أهم هذه العناصر. فاللعبة واحدة.. هدفها إضعاف تيار المقاومة تمهيداً لإنهائه…
ومايحدث في لبنان صورة واضحة من صور العبث السياسي, وهو نوع من العبث المقصود والمخطط له باحترافية واضحة, فالحراك في بلاد الأرز يتجه نحو المجهول بسبب تعطيل «التيار السعودي – الأمريكي» لأي حلّ ممكن تحت شعار: «أنا أو لا أحد»..
بدأت القصة عندما قررت الولايات المتحدة تصعيد الضغط على المقاومة حتى لو أدى ذلك بلبنان إلى التوتر والمجهول.. وزير الخارجية (أو سكرتير الدولة وهو التعبير الصحيح) جورج بومبيو قالها صراحة قبل أيام: نريد إخراج إيران من لبنان..
الطريقة لتحقيق هذا الهدف واضحة ومجربة, إنها ما يُسمى الفوضى الخلاقة أو العدم الخلاق «creativ chaos» مادة هذا «العدم» جماهير الشعب الواسعة المتعطشة للتغيير ومحاربة الفساد. فما إن يتم «تنظيم العملية وتمويلها» حتى تخرج الناس إلى الشوارع مطالبة بحقوقها المشروعة. لكن من يخطط يحول حق الناس بالتعبير عن مطالبهم إلى حق يراد به باطل.. الناس في وادٍ ومن ينظم ويمول في وادٍ آخر..
التطورات أكدت أن المطلوب هو فرض «حكم الحزب الواحد» أي حكم التيار التابع للسعودية. الوصفة واضحة.. وهي أن يكون الحريري رئيساً لحكومة جديدة بشرطين, الأول أن يكون مطلق اليدين, والثاني أن يكون الوزراء غير سياسيين (تكنوقراط), هذا معناه أن يكون الجسد حيادياً من الناحية السياسية والرأس سياسية حتى النخاع. عند تشكيل حكومة كهذه يدخل الحريري إلى الاجتماع ليفرض آراءه السياسية على وزراء كل ما يهمهم الحلول التقنية في الحكومة.. إنها أقوى أنواع ديكتاتورية الحزب الواحد..
أثناء المشاورات الأخيرة رفض الحريري أي حلٍّ غير هذا الحل, وقام بترشيح محمد الصفدي ليؤكد مقولة «بشروطي أو تستمر الأزمة».. وفعلاً انسحب الصفدي بسبب خلافات مع الحريري وعادت الأمور إلى نقطة الصفر بانتظار أن يخضع الجميع لديكتاتوريته «أنا أو لا أحد», و«أنا مطلق اليدين»..
كيف ستتطور الأمور خاصة بعد تطور الخلاف بين «المستقبل» و«التيار الوطني الحر»؟ الخيارات كلها مفتوحة لكنْ هناك أمل بأن تجد المقاومة وحلفاؤها مخرجاً يسهم في تخفيف الأضرار قدر الإمكان..
بقلم ـ د. مهدي دخل الله – تشرين