أكثر ما «نغص» على العامل فرحته بزيادة الرواتب الأخيرة، كانت ضريبة الرواتب والأجور.
وللإنصاف فإن هذه الضريبة هي موضع انتقاد منذ سنوات ما قبل الحرب، وذلك بفعل عاملين اثنين، الأول يتمثل في تدني أجر العامل في مؤسسات الدولة مقارنة بمستويات الأسعار، والعامل الثاني يتعلق بمحدودية ما يدفعه قطاع الأعمال من ضرائب ورسوم.. أو بالأصح تهربه من فعل ذلك.
وبات من الشائع سماع مقولة: إن ما يدفعه موظف دولة سنوياً من ضرائب ورسوم يتجاوز ما تدفعه فعاليات اقتصادية وخدمية مكلفة ضريبياً.
إذاً.. ما الذي يمنع من إصدار تشريع لتعليق العمل بتطبيق الضريبة على الرواتب والأجور لحين تحسن الأوضاع الاقتصادية في البلاد؟.
الاقتراح واضح.. تعليق العمل بتطبيق هذه الضريبة، وليس إلغاءها باعتبارها ضريبة مطبقة في جميع دول العالم، إنما برؤى مختلفة تماماً عن تلك المطبقة لدينا.
لنستعرض معاً الأسباب والمبررات التي تدفعنا لتقديم مثل هذا الاقتراح..
أولاً.. تشير بيانات وزارة المالية إلى أن ما يُحصل سنوياً من الضريبة على رواتب وأجور العاملين لا يتجاوز في أفضل الأحوال مبلغ ثمانية مليارات ليرة، وعليه فإن الحكومة التي تمكنت من زيادة رواتب العاملين لديها بنحو 495 مليار ليرة سنوياً، لن يعجزها تعليق العمل بضريبة تورد إلى خزينة الدولة مبلغاً لا تتجاوز نسبته 1,6% من تكلفة الزيادة الأخيرة.
ثانياً.. إن تعليق العمل بتلك الضريبة يعتبر بمنزلة زيادة جديدة على الرواتب والأجور. وفي مثل الظروف الاقتصادية التي تمر بها البلاد حالياً، فإن المليارات الثمانية سيكون لها تأثير واضح على الأوضاع المعيشية لمئات الآلاف من الأسر الفقيرة وذات الدخل المحدود..
لا.. بل ربما تسهم مثل هذه الخطوة مع الزيادة «الصافية»، في انتشال أسر عدة من دائرة الفقر الغذائي، ومنع أسر أخرى من السقوط في تلك الدائرة استناداً لما تضمنته نتائج المسح الغذائي الأخير..
ثالثا.. لطالما كانت السياسة الضريبية في بلدنا محابية في جانب منها لأصحاب الأموال، ومجحفة بحق المواطنين الفقراء وأصحاب الدخل المحدود فإن تعليق أو إلغاء العمل بضريبة الرواتب والأجور يعني الدخول عملياً في جوهر إصلاح السياسة الضريبية، وهو ما كان يؤجل من حكومة إلى أخرى لاعتبارات عديدة.
لكن الحكومة الحالية خرجت عن المعتاد، وناقشت في اجتماع جرى مؤخراً كل الخيارات المتاحة للتعامل مع هذه الضريبة.. بما في ذلك خيار الإلغاء.
من دون شك.. الأمر لن يكون سهلاً على وزارة المالية، المطالبة بتوفير الاحتياجات المالية لمعظم الجهات العامة، في وقت قد تعجز فيه عن صرف مكافآت لعامليها أو عن تأمين مبالغ اضطرارية لبعض الجهات العامة..!.
إنما إعادة بث روح التفاؤل والأمل لدى شريحة اجتماعية مهمة، وهو ما سعت إليه زيادة الرواتب الأخيرة، يستحق.. أكثر من ثمانية مليارات ليرة.
بقلم ـ زياد غصن – تشرين