ادريس هاني
تدرك سوريا فضلا عن روسيا بأنّ المسمّى اتفاق سوتشي هو مجرد مستمسك لتقويض سياسة أوردوغان الرّاغبة في تكريس التصعيد وربح الوقت لإحداث تغييرات ديمغرافية في المنطقة وإشعال خطّ إدلب-طرابلس، وحتى الآن لم يتم الإلتزام بمخرجات اتفاق صوري بعد أن تأكّد أن العصائب المسلحة الموالية لأوردوغان لا زالت تخرق اتفاق خفض التوتر، وبلغت الخروقات حدّا لم يعد بإمكان الجيش العربي السوري الوقوف في انتظار ما يجود به المزاج الأوردوغاني باعتباره لاعبا فاشلا في المنطقة، آخر عدوان قام به حوالي مائتي مسلح من الجماعة المسلحة الإرهابية ضدّ مواقع الجيش العربي السوري بالتج وأبي حريف والسمكة بريف إدلب الجنوبي خلّف أربعين شهيدا في صفوف الجيش وإصابة ثمانين بينما سقط خمسين إرهابيا، قبل أن يعيد الجيش العربي السوري السيطرة على المحاور المذكورة.
هذا وقد قام الجيش العربي السوري بالتقدم ناحية معاقل الإرهابيين حيث بات من المتوقّع إسقاط آخر عش دبابير الإرهاب بمعرة النعمان التي حاصرها الجيش وأسقط عدد من البلدات في محيط المدينة. ومع أنّ الجماعات المسلحة كانت قد حاصرت الأهالي وقصفت الممرات التي فتحت لعبور المدنيين بالصواريخ في محاولة لمنعهم من الخروج من تحكّم الإرهابيين الذين حوّلوا المدنيين إلى متاريس خلال حربهم على الشعب السوري ونظامه، فإنّ أوردوغان يحذّر من وجود حوالي 400 ألف نازح يتجهون نحو الحدود التركية، محملا المسؤولية لجيش وطني يقوم بمهمته لدحر الإرهاب في بلده. فالمدنيون في سوريا وفي المحاور التي كان يسيطر عليها حلفاء أوردوغان كانوا خلال سنوات ورقة في الحرب نفسها للتشويش على حرب النظام على الإرهاب.
إنّ معارك الجيش العربي السوري معارك مسؤولة تفرض على النظام أن يحرر التراب السوري من الجماعات الإرهابيية وبالتّالي فرض السيادة ومعالم الدولة السورية كاملة وهو أمر يزعج أوردوغان وميليشياته التي تسعى لتغيير الديمغرافيا والهوية من المناطق التي يحتلّها عنوة، وتتأكّد المفارقة في موقف أوردوغان من سوتشي متّهما روسيا نفسها بأنها تتجاوز الاتفاق من مستوى حفض التوتر إلى منح سوريا الحق في تعزيز دورها كدولة في المناطق المحررة. وهنا يبدو أن أوردوغان يتصرّف كمحتلّ، حيث يناقض موقفه هذا ما هو أبعد من اتفاق سوتشي بل القانون الدولي، هذا مع أنّه من الغباء أن يعتقد أوردوغان بأنه سيثني جيشا حارب العدوان منذ تسع سنوات عن إتمام مهمّته الوطنية، فأوردوغان أقلّ إمكانية من أن يوقف الزحف السوري باتجاه إدلب واجتثاث الإرهاب، وليس أمام العثماني الجديد سوى أن يربح الوقت الذي لم يعد في صالحه بعد أن غرق أيضا في شرق المتوسّط. إن الخوف من تبعات تسع سنوات من العبث داخل الأراضي السورية ستكلّف العصملّلي مزيدا من التّرنّج، وهو يخشى أن يتحمّل وحده تبعات العدوان على سوريا كما يدفعه العناد ليجعل المهمّة في شوطها الأخير صعبة في انتظار صفقة تتوقف على تفاهمات موسكو-أنقرة بخصوص ليبيا، هذا في حين لن يسمح الطرف السوري للعصملّلي الذي يندب حظّه العاثر في هذه النهاية المأساوية بأن يفرض الأمر الواقع والمساومة على السيادة السورية، سنكون إذن أمام تصعيد انتحاري من قبل الجماعات المسلحة المتطرفة، ولكنه التصعيد الذي سيقلب كلّ الموازين.
إنّ معركة سوريا ضدّ الإرهاب معركة وطنية خالصة لا تتوقّف على أي اتفاق يحاول الإلتفاف على حقّها في تحرير أراضيها من الاحتلال، وهي واضحة في موقفها هذا وستطيح المعركة على أبواب معرة النعمان بما تبقّى من اتفاق منتوف لم يعد مقنعا لحلّ مشكلة إدلب، ولن تتحمّل سوريا أتعاب الإرهابيين وليست معنية بالبحث عن حلّ لمصيرهم وفيما لو كان عليهم أن يتجهوا نحو تركيا أو ينقلوا إلى ليبيا أو يفطسون فطوسا..