بين عالمين

لم يسبق أن عاش العالم برمته رعباً وحجراً كالذي يعيشه اليوم مع تفشي وباء “كورونا” وسعي الدول وراء إجراءات الوقاية ومحاولات التخلص منه واكتشاف علاج له.

وسط هذا الرعب، وبعيداً عن الأرقام المُتبدلة كل ساعة للإصابات والوفيات تبرز أصوات خارج السرب مليئة بالعنصرية والغطرسة، فالرئيس الأمريكي دونالد ترامب يكرر تسمية “الفيروس بالصيني” على ما تثيره هذه التسمية العنصرية الملفقة من حفيظة الصين والعالم بالنظر إلى أن هذه تهمة سياسية وغير مسندة إلى أي أساس كي لا نقول إنها محاولة لرمي الكرة في ملعب الآخرين في محاولة لإبعاد الاتهامات عن أمريكا.

ليس هذا فحسب، بل فيما العالم يحبس أنفاسه خشية مآلات هذا الوباء على كل شي، تؤكد واشنطن، أنها أجرت عملية اختبار ناجحة لإطلاق صاروخ فرط صوتي في هاواي، ونشرت وزارة الدفاع الأمريكية، مشاهد تظهر انطلاق الصاروخ من إحدى منصات الإطلاق في المحيط الهادئ.

بالمقابل نجد دولاً مثل الصين تمد يد المساعدة وتقدم خبرتها المكتسبة في التصدي للفيروس إلى دول عديدة، ولعل رسالتها إلى إيطاليا خير مثال على الروح الإنسانية التي تتحلى بها الصين، وهي في محنتها تقول رسالتها: “نحن أمواج في نفس البحر، أوراق من نفس الشجرة، زهور من نفس الحديقة”.

هذه رسائل الصين عبر صناديق المساعدات الطبية التي أرسلت إلى إيطاليا التي تسجل أعلى نسبة وفيات من جراء تفشي كورونا.

كلمات بغاية الإنسانية والإحساس بأن الجميع في قارب واحد بصرف النظر عن أي شيء، بعيداً عن الاستعراضات التي تمارسها دول كبرى.

الصين انتصرت مرتين، الأولى حينما تمكنت بزمن قياسي من تطويق الفيروس، وإظهار التزام مجتمعي قلَّ نظيره في العالم، تماشياً مع الجهود الحكومية السريعة والاستثنائية والتي باتت مضرب المثل عالمياً، وانتصرت مرة ثانية برسائلها الإنسانية إلى العالم والوقوف إلى جانب دوله، واعتبار الصين كقوة مليارية كبرى واحداً من الكل في مركب عالمي واحد.

المطلوب اليوم ملاقاة الصين وغيرها من الدول التي تعمل انطلاقاً من أن البشرية جمعاء اليوم تواجه خطراً محدقاً لابد من مواجهته بجهود مشتركة واجتراح سبل استثنائية.

 لقد أكد انتشار كورونا أن الجهود الدولية المنفردة وأياً كانت أهميتها لن تحل المشكلة وستبقى قاصرة عن تطويق انتشار الفيروس والقضاء عليه.

العالم بخطر، وخطر حقيقي غير مسبوق منذ الحرب العالمية الثانية، ولعل هذا يشكل حافزاً لجميع الدول كي تتعظ وترفع صوتها، وتغير سياساتها، فلا يعقل أن نبقى كبشر رهينة التجارب والصراعات والأحقاد العنصرية والحروب، ولعل أرواح آلاف الضحايا التي ذهبت بسبب كورونا على امتداد ساحات العالم تكون شموعاً تُنير لنا الدرب نحو عالم مختلف.

شوكت أبو فخر : تشرين

Related Posts

Next Post

آخر ما نشرنا