لم يتوقع حتى الاكثر تشاؤما بيننا أن تصل الاوضاع مع الثلث الاول من العام الجديد لما آلت اليه بانتشار فايروس كورونا الذي قطع اوصال العالم وانهى حكاية أن الكرة الارضية تحولت الى قرية صغيرة تتواصل وتتفاعل مع كل ما يجري فيها بسرعة.
كورونا اعادت صياغة الكثير مما تحول مع التطور الانساني إلى عادات بسيطة نمارسها بدون تكليف وصار السفر الذي كان حلماً الى عادة لم تعد معها للحدود او المسافات معاني او تفاصيل.
كورونا اغلقت الحدود وحاصرت الانسان في عالمه الصغير بيته او بدرجة اقل في المنطقة التي يسكنها وصارت الاماكن الاخرى كلها بعيدة مهما كانت المسافات بسيطة.
الكثير مما اعتبرناه مسلمات مع تطور العولمة توقف فجأة ودون سابق إنذار وتهاوت المفاهيم بسرعة وعادت الحياة لتفرض نمطها التقليدي علينا بقسوة ودون الاخذ بعين الاعتبار ما اعتادت عليه البشرية من انماط حياة حديثة.
في هذا الحال الخائف من الوباء المنتشر بسرعة عاد العلم ليكون الملجأ الأخير للإنسانية من اجل ضمان البقاء، وسقطت كل الحكايات التي حاولت العولمة ان تأخذنا إليها ضمن حلم التطور الانساني الذي يتسارع بشكل كبير، فلم يعد الحصول على اخر سيارة أو جهاز كومبيوتر متطور هدفاً نحلم ان نشتريه أو اخر ما صدر من الهواتف الجوالة ليكون معنا الأكثر تطوراَ وامكانيات تسهل لنا حياتنا ونسير بها العمل عن بعد وتساعدنا في الكثير من القضايا التي اجبرتنا العولمة ان نعتبر قضائها امرا عسيرا.
الاطباء والباحثون في مختبرات الشركات العلمية الذين يعملون ليل نهار لإيجاد لقاح او دواء للفايروس، والذين يتجندون في المستشفيات لعلاج المرضى الحاملين للفايروس ويجاهدون لمنع انتشاره وحصاره حماية للإنسانية جمعاء، هؤلاء اعادوا بعلمهم ترتيب العالم من جديد دون قصد وصارت جهودهم محط انظار الانسانية قاطبة والكل يتابع الاخبار عن قرب الوصول لعلاج لهذا الفايروس بالمقابل تراجعت اهمية تجارة العولمة التي كانت محركاً لموارد اقتصادية ثبت ان الاستثمار فيها كان هدفه صناعة المال وليس التقدم الانساني وانهار بسرعة.
الاسعار الخيالية التي يباع فيها لاعبي كرة القدم ورياضات اخرى والرواتب الخيالية التي يتقاضوها ومئات مليارات الدولارات التي تصرف في هذه التجارة التي استغلت الرياضة لتحقيق اموال خرافية سقطت بعد أن بان للجميع أن هذه الاموال لو صرف جزء بسيط منها على بناء وتطوير المؤسسات الاستشفائية لما كان حال العالم اليوم على ما هو عليه الآن.
هذا الوباء اسقط ايضا عولمة الماركات العالمية التي تبيع للإنسان الرفاهية وتضخم الوهم بالتحول من العيش البسيط لمحاكة كيف يعيش الاغنياء فلم تعد لزجاجات العطر باهظة الثمن نفس القيمة والمعنى او الملابس المرتفعة الثمن نفس التأثير الذي كان تتركه في عقول الناس.
الوباء عرى المتاجرين بالأديان وبائعي الوهم للبشر وفضح كذبهم وتجارتهم البائسة واختفوا من المشهد بعد ان تلاعبوا بمشاعر الناس ومعتقداتهم وكذبوا وزوروا الكثير من المنقول عن الرسل والانبياء بأن في ما قالوه ونقلوه الدواء الشافي من كل الامراض والعلل، وكشف العلم والطب كذبهم وتجارتهم وافقدهم وللابد السلطة التي بنوها بالضحك على عقول البسطاء ممن صدق انهم رجال علم وإيمان ويخافون الله بينما بان بالكاشف أنهم تجار دين ليس لهم اخلاق او مبادئ سوى بيع الوهم بالتحايل على البسطاء الذين يبيعوهم الوهم ويسرقون اموالهم.
الكثير تغيير وسيتغير في عالمنا بعد نهاية هذا الوباء بيد العلم والطب والكثير تهاوى بعد ان كشفت زيف اوهام العولمة.
باسل ترجمان – الدستور