أتي القمة العربية التي تعقد في تونس في وقت تمر به الساحة العربية بالعديد من التحديات والمشاكل العاصفة، وفي ظل انقسام عربي خرج من السر إلى العلن، وبات يعصف بأصوات العقل التي لا تزال تتمسك بمواقف عربية، تقوم على التضافر والتماسك في ظل التكالب الكبير على القضايا والثوابت العربية، سواء عبر أذرع الاستعمار القديمة التي دست في المنطقة قديمًا، مثل كيان الاحتلال الإسرائيلي، أو الإرهابية الجديدة التي أضحى معظم الدول العربية ـ خصوصًا الكبرى منها ـ تئن تحت إرهابها المتمثل في تنظيمات أغرت بعض الشباب الذين أهملوا بشعارات دينية براقة جعلتهم يضحون بمقدرات أوطانهم، والعمل على تدمير المنظومة العربية، والعمل على إلهاء كبار الدول العربية بمشاكلها، حتى يتسنى لمن يحركون تلك الأذرع الاستفادة القصوى باتخاذ خطوات تغير من الطبيعة الديموجرافية والجغرافية في المنطقة عبر التسلل من ذات البين العربي.
ونأمل أن تكون قضية الجولان السورية العربية المحتلة صرخة للقادة العرب على مختلف الرؤى والتوجهات، تؤكد أن المصير العربي واحد، وأن التفريط في القدس سيمهد الطريق للتفريط في الجولان، ليمهد ذلك الطريق لإسرائيل الكبرى، التي يحلم بها المحتلون الإسرائيليون بأن تكون من النيل إلى الفرات، حلم لا ينكره حكام دولة الاحتلال، بل يحاولون شرعنته بمساعدة حلفائهم بالحديث عن الأمن والخوف من الإرهاب، إنها حلقة مفرغة ترزح بها منطقتنا منذ سقوط الاستعمار العسكري في القرن العشرين، وما أعقب ذلك من احتلال فكري واقتصادي.
ولعل أهم ما يؤكد حرص القادة العرب على حل تلك القضايا هو أن الاجتماع التحضيري لوزراء الخارجية العرب قد اعتمد جدول أعمال القمة ومشاريع القرارات التي سترفع للقادة العرب، حيث ناقش الاجتماع نحو 21 بندًا، إضافة إلى ما يستجد من أعمال، في مقدمتها تقرير الرئاسة السعودية للقمة العربية السابقة التاسعة والعشرين وتقرير الأمين العام عن مسيرة العمل العربية المشترك، وتصدر جدول الأعمال متابعة التطورات السياسية للقضية الفلسطينية والصراع العربي ـ الإسرائيلي، وتفعيل مبادرة السلام العربية، والتطورات والانتهاكات الإسرائيلية في مدينة القدس المحتلة، ومتابعة تطورات الاستيطان والجدار واللاجئون والأونروا، ودعم موازنة دولة فلسطين وصمود الشعب الفلسطيني، والجولان العربي السوري المحتل، والتضامن مع لبنان ودعمه، وأيضًا الأزمة في سوريا وتطورات الوضع في ليبيا واليمن.
وتضمن جدول الأعمال بندًا حول صيانة الأمن القومي العربي ومكافحة الإرهاب، وبندًا بشأن تطوير المنظومة العربية لمكافحة الإرهاب، وآخر حول تطوير جامعة الدول العربية.
حيث تشكل تلك البنود الهاجس العربي المشترك، والذي يجب أن يتخطى الخلافات العربية، والعمل على خروج إعلان قوي، يليق بالتحديات التي تشهدها منطقتنا العربية، والعمل على احتواء أي تداعيات لقرار الولايات المتحدة الاعتراف بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان، وقرارها السابق الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، حيث يمكن أن تشكل القمة بداية لتطويق كل التداعيات المحتملة لهذه القرارات في مختلف المحافل الدولية والإقليمية.
وحسب تأكيد المتحدث باسم القمة أنه من المتوقع أن يجدد رؤساء الدول العربية التزامهم بالمبادرة العربية التي تدعو للسلام مع إسرائيل مقابل انسحابها الكامل من كل الأراضي التي احتلتها في عام 1967، لكنهم سيرفضون أي مقترح لا يتوافق مع قرارات الأمم المتحدة، وهي خطوة بغاية الأهمية تقفل الطريق أمام خطة السلام الأميركية المزعومة التي لم تعلن بعد، ويحاول مستشار ترامب وصهره جاريد كوشنر وضعها على الطاولة رغم الرفض الفلسطيني من كافة المكونات الفلسطينية حتى لو على سبيل النقاش، إنه قمة عربية جديدة تأتي في ظل أوضاع عربية بغاية الصعوبة، وتحتاج مواقف عربية تتعالى عن الخلافات، وتدرك وحدة المصير العربي كليًّا وجزئيًّا.
راي الوطن العمانية