كما أن لا أحد يمكنه أن يكذب على الأميركي الذي تمسح أقماره مياه الخليج على مدار الساعة وتتمكن من رؤية النملة فيها، فإنه لا أحد باستطاعته أن يكذب على الشعب الفلسطيني بتقديم حلول له خارج مطالبه الأساسية. فالفلسطيني اليوم هو ابن البارحة، وابن الغد، وكل حراك في هذا العالم يخص قضيته، يعرفه ويعرف الهدف من ورائه.
لا شيء يفرّح الفلسطيني إلا إذا حقق غاياته الأساسية وهو العودة إلى فلسطين، ولو منح على أثره ربع عاصمة في مدينة القدس التاريخية. هذه هي أسس انتظاره الطويل .. توفي جيل النكبة بمعظمه ولم ير بصيص أمل بالعودة، وحملها الآباء الذين أيضا هرموا وملهم الانتظار، وها هم الأبناء والأحفاد يرسمون يوميا حالة أفكارهم المتطلعة إلى الوطن السليب.
العالم يتآمر .. تلك محصلة نظرة الفلسطيني إلى النوايا التي توصف بأنها تتحرك من أجله .. بات عليما بكل صغيرة وكبيرة تجري في هذا العالم لتقدم نفسها بأنها من أجله، وهي الساعية للقضاء على قضيته السامية. أي حل لا يحقق للفلسطيني مبتغاه ليس مرفوضا فقط، بل هو مؤشر على مزيد من الانفجار في المنطقة .. ومخطئ من يظن أن الفلسطيني ضعيف ولا يملك .. صحيح أنه لا يملك القدرة المالية، لكنه يملك الصبر والإقدام والشجاعة الثابتة وروح التضحية والمقاومة.
بالأمس تظاهر الفلسطينيون في رام الله ضد مؤتمر البحرين الذي يجب أن نقول بأنه المأسوف عليه نظرا للموت السريع الذي يجب أن يبلغه طالما أن الفلسطيني يرفضه بقوة وقد عرّاه منذ أن أطلق في المنطقة على أساس أنه جزء من حل، فإذا به مؤامرة دفينة على الواقع الفلسطيني من أجل إغلاق قضيته وختمها حتى بالشمع الأحمر.
لا شك أن وجود إسرائيل أدى إلى ما أدى إليه من أزمات في المنطقة .. العقلاء في هذه الأمة، عرفوا منذ لحظات النكبة الأولى، وبعضهم قبل ذلك بسنين، أن قيام ذلك الكيان الجهنمي سيطول أولا فلسطين على أن يواصل امتداداته إلى بقية محيطه، لكن أثر وجوده كفيروس، جعل الجسد العربي مريضا على الدوام، حتى تلك الأقطار التي تظن أنها بعيدة عن الإصابة، هي في صلبه.
لا يوجد قريب وبعيد على الكيان الإسرائيلي، الفيروس في جسد الأمة، كل عضو فيها أصابه التأثر به، والذين يتوهمون أن بالإمكان التلاطف معه إنما يخدعون أنفسهم لأنه سيمتد إليهم وسيصلهم مخترقا كل ما يظنونه من موانع.
نجح الإسرائيلي في تدمير المنطقة على مراحل، وبعد أن تلاعب بالأميركي، وكان الرئيس الراحل حافظ الأسد قد قال يوما لإحدى الصحف الأميركية إن أميركا هي من يتبع إسرائيل وليس العكس. لننظر إلى الواقع العربي، هل فيه شيء ما يرضي النفس، وهل هنالك ما نفتخر به سوى الجيش العربي السوري والقوات العراقية ومقاومته، وهي المعافاة التي نتجت عن قوة زائدة في الجسم العربي.
التظاهرة التي مشت في رام الله، يجب أن لا تتوقف، وبين اليوم والخامس والعشرين من هذا الشهر موعد المؤتمر الأميركي السيئ الصيت والسمعة والنتائج، يجب أن يقدم الفلسطينيون عرضا هو الأقوى في تاريخهم لإسقاط المؤتمر أولا، ومن ثم مفاعيله إن تم انعقاده في ظروف المنطقة السيئة التي تلعب دورا مهما إما في الإنجاح أو في الإسقاط
زهير ماجد – الوطن العمانية