في الأيام الصعبة التي أعقبت اندلاع ثورات الربيع العربي في عام 2011، تم تأييد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه كنموذج للديمقراطية الإسلامية المعتدلة التي يمكن أن تحاكيها الحكومات الجديدة.
وكان دعم تركيا للأحزاب الإسلامية في الخارج مرتبطاً لسنوات باتباع نهج إصلاحي في الداخل شهد تعهد حزب العدالة والتنمية بمعالجة المشكلات التي تعاني منها الأقليات التركية في سلسلة أطلق عليها الحزب “الفتوحات”.
كان هناك الفتح العلوي والفتح الأرميني وفتح الروما (الغجر)، وأخيراً ما يسمى بالفتح الديمقراطي، والذي تعهد فيه حزب العدالة والتنمية بحل القضية الكردية المستمرة في البلاد منذ عشرات السنين.
وتعهد الحزب بتعليم اللغة الأم للأكراد وتقنين وضع أماكن العبادة للعلويين والسعي إلى تحسين العلاقات مع أرمينيا وضمان حقوق الروما الأتراك، إحدى أكثر الأقليات عزلة في البلاد.
واستقبل حزب العدالة والتنمية ثلاثة ضيوف أجانب مهمين في مؤتمر الحزب الذي عقده في عام 2012 وهم الرئيس المصري السابق محمد مرسي ورئيس حكومة إقليم كردستان آنذاك مسعود البرزاني وخالد مشعل الذي كان حينها رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس). كان وراء الاستقبال الحماسي لهؤلاء الضيوف الثلاثة، ولو جزئياً على الأقل، التفاؤل العام بشأن ما اعتبره كثيرون سياسات ديمقراطية واعدة للإصلاح بدأت بالفتوحات في عام 2009.
لكن منذ أن أصبح أردوغان رئيساً في عام 2014 وبدأ الطريق نحو نظام الرئاسة التنفيذية وحكم الفرد الواحد لتركيا اليوم، سقطت تلك الفتوحات واحداً تلو الآخر وباتت في طي النسيان.
نُسيت أولاً الوعود لأقلية الروما. فقد أولئك الذين يعيشون في حي سولوكولي التاريخي في إسطنبول ديارهم بعد تسليم أحيائهم للمطورين لبناء مشاريع إسكان فاخرة جديدة.
وكانت علاقات تركيا مع أرمينيا عدائية تاريخياً، ويرجع ذلك جزئياً إلى مذابح الأرمن في تركيا العثمانية والتي بدأت عام 1915 والمعترف بها على نطاق واسع على أنها إبادة جماعية، وإلى النزاع بين أذربيجان وأرمينيا حول منطقة ناغورنو كاراباك الانفصالية في أذربيجان.
وبدأ تحسن العلاقات لفترة قصيرة في ظل حكومة حزب العدالة والتنمية بين عامي 2008 و2009، عندما قام الرئيس آنذاك عبد الله غول بأول زيارة لرئيس دولة تركي إلى أرمينيا ووقع وزيرا خارجية البلدين بروتوكولين في زيوريخ بهدف تطبيع العلاقات.
لكن لم يتم التصديق على البروتوكولين قط وعادت العداوة القديمة. وفي عام 2014، عندما قال أردوغان أمام تجمع حاشد إنه يُطلق عليه الأرمني – كما لو كانت إهانة – اعتبر كثيرون أنها زلة غير واعية كشفت عن عدم وجود صدق وراء هذا الفتح وبدا الأمر واضحاً بأنه مخطط تماماً لحشد التأييد من أجل الفوز في الانتخابات.
بالعودة إلى الداخل، وعد حزب العدالة والتنمية بتمويل من مديرية الشؤون الدينية في تركيا – وهي الآن المؤسسة العامة التركية الأفضل تمويلاً – لأماكن عبادة العلويين، أكبر أقلية دينية في البلاد.
وعلى الرغم من وعود حكومة حزب العدالة والتنمية والحكم الصادر عن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان والتي تطالبها بدعم الأقلية، فشلت الحكومة حتى الآن في مجرد دعم نفقات الوقود لأماكن عبادة العلويين – كما يتم توفيرها للمساجد – ناهيك عن تقنين وضعهم بشكل رسمي.
وجرى استقبال الفتح العلوي بتفاؤل في تركيا. وعانى العلويون، الذين يشكلون ما بين 10 و20 في المئة من السكان، بشكل كبير في ظل الحكومات القومية وأثناء فترات التوتر الشديد التي أصابت تاريخ تركيا الحديث. سبقت ثلاث مذابح للعلويين في كاهرمنمراس وجوروم وملطية الانقلاب العسكري في عام 1980، وقُتل العشرات من مثقفي العلويين في عام 1993 عندما أحرق حشد من الإسلاميين أحد الفنادق في سيفاس.
فقد الفتح مصداقيته عندما دعا الحزب الحاكم السياسي القومي أوكيش شندلر، المشتبه به الرئيس في مذبحة كاهرمنمراس، للانضمام إلى مجموعة عمل حول هذه القضية. منذ ذلك الحين، عمدت الحكومة إلى عزل الأقلية عن طريق تكثيف الدروس الدينية الإلزامية التي يتم تدريسها من منظور إسلامي سني.
ومثل الفتح الكردي، الذي انهار بعد أن خسر حزب العدالة والتنمية أغلبيته بفضل نجاح الحزب الموالي للأكراد في انتخابات عام 2015، أصبح الفتح العلوي الآن تاريخاً.
وبعيداً عن تقديم ضمانات السلام والمساواة في الحقوق للعلويين، استمرت المضايقات الطائفية ضدهم تحت حكم حزب العدالة والتنمية. الحوادث الأخيرة في إزمير ومرسين، عندما استيقظ العلويون ليجدوا على منازلهم علامات الصلبان باللون الأحمر وعبارة “فليرحل العلويون”، جاءت بعد سنوات من الإساءات المماثلة في بلدات ومدن بجميع أنحاء البلاد.
بقدر ما يدين أردوغان هذه الحوادث، فإن حكمه في تركيا وتمسكه بالسياسة الإسلامية قد أشعلا نيران الطائفية. في حين توقف كل فتح للأقليات، يواصل حزب العدالة والتنمية دعمه الوثيق للحلفاء الإسلاميين السنة في جميع أنحاء العالم.