في تناقض صارخ مع نفي سابق بأن النظام التركي (لم يرسل) إرهابيين ولا جنوداً لقتال الجيش الليبي إلى جانب ميليشيات حكومة «الوفاق» الليبية, اعترف رجب أردوغان للمرة الأولى بأنه أرسل بالفعل وحدات من الجيش التركي بغرض القتال وليس الاستشارات كما زعم سابقاً, كما اعترف بإرسال مرتزقة إرهابيين، وذلك في أول حديث علني له عن (المهام) القتالية للجنود الأتراك في ليبيا.
اللافت أن أردوغان الذي كان يحرص دائماً على التقليل من حدة ردود الأفعال الدولية الغاضبة من تدخل أنقرة في الشأن الليبي, بالحديث عن «عدم رغبته» بإرسال قوات ومرتزقة إلى هناك, اعترف علانية بالقول: «فقدنا هناك بعض الجنود، لكن في المقابل حيّدنا حوالي 100 عنصر من الجيش الليبي». ما جاء على لسان أردوغان أثار تساؤل متابعين للشأن الليبي عن عدد الجنود الأتراك الذين بإمكانهم «تحييد» أو قتل 100 من الجيش الليبي؟، مرجحين أن يكون عدد هؤلاء الجنود بالمئات على الأقل.
وحسب مراقبين, تبدو التناقضات واضحة والتخبط في التصريحات الصادرة عن مسؤولي النظام التركي, إذ سبق أن نقلت وكالة أنباء «الأناضول» عن وزير خارجية النظام التركي مولود جاويش أوغلو تأكيده أن بلاده لا تعتزم إرسال المزيد من المستشارين العسكريين إلى ليبيا, ليأتي اعتراف اردوغان ليقلب الطاولة ويكشف علانية التدخل التركي الصارخ في الشأن الليبي, والذي لم يكن خافياً على أحد منذ البداية رغم إصرار أردوغان على الإنكار.
اللافت, أن تصريحات اردوغان تزامنت مع إعلان حكومة السراج انسحاب وفدها من مفاوضات جنيف التي استؤنفت الجمعة بهدف التوصل لوقف إطلاق النار. وعليه يصبح ربط تصريحات أردوغان أن «التزامات تركيا في ليبيا مرتبطة بوقف إطلاق النار», بانسحاب وفد حكومة السراج من مفاوضات جنيف لإجهاض أي اتفاق, أمر سهل يكشف نيات أردوغان وحليفه السراج في تسعير الأزمة الليبية. ناهيك عن أن تعليق حكومة السراج لمشاركتها في مفاوضات جنيف أمر يتناقض مع المنطق السياسي والواقع الميداني، ما يفسر في النهاية أن قرارها لم يكن قراراً سيادياً بل جاء في سياق الوصاية والإملاءات التركية, وخاصة أنه يأتي على وقع تقدم الجيش الليبي باتجاه قلب طرابلس.
واللافت أكثر أن تصريحات أردوغان جاءت غداة الزيارة التي قام بها السراج إلى أنقرة الخميس الماضي, حيث التقى حليفه أردوغان في اجتماع مغلق انتهى من دون أن ترشح عنه أي تفاصيل عما دار بينهما, في الوقت الذي أكد فيه محللون أن الهدف من زيارة السراج هو طلب المزيد من الدعم لمواجهة تقدم الجيش الليبي والبحث عن طرق جديدة بديلة لتهريب السلاح بعد محاصرة الجيش الليبي للطرق التقليدية. وخاصة أن الزيارة جاءت غداة قصف الجيش الليبي مستودعاً للأسلحة التركية في ميناء طرابلس.
إصرار أردوغان على التدخل في ليبيا ينذر بحرب طويلة مع تضاؤل فرص وقف دائم لإطلاق النار, وعليه فمن المتوقع أن تشهد ليبيا في الفترة المقبلة تصعيداً عبر نقل الأسلحة والإرهابيين بشكل مكثف, في محاولة مستميتة لإنقاذ حكومة السراج المحاصرة عسكرياً واقتصادياً بفعل انتصارات الجيش الليبي.
تشرين