بدأت القوى الدولية والإقليمية المنخرطة في اللعبة الكبرى الدائرة حول الشرق الأوسط، تعيد ضبط سياساتها استعداداً للوضع المتغير شرقي سورية، مع اتساع نطاق التحضيرات لتنفيذ قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب سحب قوات بلاده من المناطق الواقعة إلى شرقي نهر الفرات.
طال التغيير أكثر ما طال سياسة إيران؛ فهذه الدولة سبق أن ركزت خلال السنتين الماضيتين على تطوير أدوات في سياق مواجهتها الشاملة مع إسرائيل، مفضلةً في الوقت عينه، العمل على احتواء الإستراتيجية الأميركية للشرق الأوسط، وأداتها في ذلك ثلاثي «عملية أستانا»، بهذه الطريقة تمكنت إيران من مواصلة توسيع دورها الإقليمي ونفوذها عبر المنطقة.
مع تحول السياسة الأميركية تجاه إيران، بعد ترامب، من الاسترضاء إلى المعاقبة، بدأت طهران تعديل تكتيكاتها الإقليمية؛ فالاستمرار في سياسة المواجهة مع «إسرائيل» تحول إلى أمر ثانوي بالنسبة للمصالح الإيرانية الأوسع في الشرق الأوسط، وذلك مقابل العودة إلى مواجهة الإستراتيجية الأميركية المعادية لإيران، والتي لم يعد بإمكان طهران ترك أمرها لمجموعة «أستانا» فقط.
ظهرت باكورة الإستراتيجية الجديدة بعد فرض الولايات المتحدة عقوباتها على إيران في شهر تشرين الثاني من العام الماضي، وتسارعت مع إعلان ترامب عزمه سحب القوات الأميركية من شرق سورية.
لم تعد إيران راغبة في العمل حالياً ضد «إسرائيل»، بل ضد الولايات المتحدة حيث ساحة المعركة هي بلاد الرافدين، ضمن هذا التوجه، قررت طهران، لأول مرة، نقل ملف الاعتداءات الإسرائيلية على سورية إلى «مجموعة أستانا». الرسالة كانت واضحة في هذا الصدد، يجب على «مجموعة أستانا»، أن تتعامل مع حالة الاعتداءات الإسرائيلية على السيادة السورية، ليس فقط العمل ضد الخطط الأميركية في المنطقة. نقل رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الإيراني حشمت اللـه فلاحت بيشه إلى دمشق، رسالة تدعم هذا التوجه الإيراني الجديد، وأكد أن «بلاده لا تنوي الدخول في حرب مع «إسرائيل» على الأراضي السورية»، وشدد أن «هزيمة «إسرائيل» ستكون في المكان المناسب».
قرار الانسحاب الأميركي من شرق سورية إلى العراق، يمثل في آن واحد، «فرصة وخطراً» بالنسبة للمصالح الإيرانية في المنطقة؛ فهو من جهة، سيجعل واشنطن على احتكاك أكبر بطهران وحلفائها العراقيين، ومن جهة أخرى، قد يمكن هذا القرار، إيران من توطيد سيطرتها الجيوسياسية على «طريق الحرير الحديث» المنطلق من الصين إلى شرقي البحر الأبيض المتوسط عبر العراق وسورية.
ملء الفراغ الذي سيخلفه الانسحاب الأميركي من شرق سورية واستتباعات إعادة الانتشار الأميركي في المنطقة باتجاه العراق، رتب على إيران تخصيص مزيد من الموارد لشرق سورية وغرب العراق، فضلاً عن حاجتها للمساهمة في تقرير مصير إدلب، مع دخول المحادثات الروسية التركية حول هذه المحافظة مراحلها النهائية.
وبعد أن ساهمت إيران في إنجاح الجهود لتشكيل الحكومة العراقية، تدعم طهران تحقيق تناغم عراقي حول مطلب انسحاب القوات الأميركية، وذلك في حين تعمل على تهدئة الساحة اللبنانية من خلال تشكيل حكومة جديدة هناك بالتوافق مع الأوروبيين والروس، وذلك مقابل إطلاق الآلية المالية الأوروبية للتجارة مع طهران والهادفة إلى تجاوز العقوبات الأميركية المفروضة على إيران.
هكذا، تعيد إيران تشكيل سياستها الإقليمية وعينها على مواجهة الأميركيين في العراق، وملء الفراغ الذي سيخلفونه في شرق سورية، والمساهمة في حل معضلة إدلب.
الوطن السورية – أنس وهيب الكردي
Discussion about this post