من يمتلك القرار الاقتصادي في لبنان هو من أفلس البلاد، وتحديداً بواسطة نهج وقوانين ماليّة ونقديّة أميركيّة، وبإشراف مباشر من الولايات المتحدة. وللعلم، إنّ الشركات الأميركيّة التي تقوم بالتدقيق المالي في النظام المصرفي اللبناني وحسابات المصرف المركزي، كانت قد أكّدت في منتصف العام 2019 أنّ الواقع المصرفي يمتاز بملاءة ماليّة جيّدة، إلا أنّ الأزمة وقعت بعد 3 أشهر فقط!
ماذا تخطط الولايات المتحدة وأدواتها للاقتصاد اللبناني؟
بين 26 أيار/مايو و4 حزيران/يونيو الماضي، أقيم في واشنطن “مؤتمر معهد الشرق الأوسط التمهيدي لسياسة لبنان” الذي ناقش المشروع الاقتصادي الجديد المطلوب للبلاد. وهنا، لا بدّ من الإشارة إلى أنّ النقاط التي ناقشها هذا المؤتمر تعطي فكرة واضحة عن كيفية تخطيط الولايات المتحدة لمستقبل لبنان:
1- كيفية الاستثمار بالانهيار، إذ يجري العمل اليوم على ربط توقيت هذا الاستثمار بتاريخ إجراء الانتخابات النيابية، لمصلحة سياسات اقتصادية تخدم “إسرائيل” وتثبّت الحصار على سوريا.
2- ترسيم الحدود البحرية ربطاً بملف الغاز، وتأكيد وجوده في قعر البحر، وكيفية الاستفاده منه للإنفاق على اللبنانيين، أي رهنه للمؤسسات الدوليّة والتخطيط له بما يتناسب مع مصالح المنطقة، وأن يكون نقطة ارتكاز للتطبيع ومشروع إنجاح منظمة شرق المتوسط للغاز التي يقودها العدو الإسرائيلي، أي نظرة بعيون “إسرائيل” إلى مستقبل لبنان على صعيد الطاقة.
3- التأكيد أنّ العقوبات الحاليّة لا تكفي، ولا بدَّ من تطويرها وفرضها على أشخاص آخرين وعلى مصادر التمويل. وهنا، يبرز إلى الواجهة تبادل الأدوار بين العقوبات الفرنسية والأميركية، بحيث إنَّ الخطوات التصعيديّة التي اتخذتها فرنسا لتقييد الوصول إلى أراضيها سيدعمها إجراء أوروبي مماثل، والهدف من العقوبات هو فكّ التحالفات مع المقاومة.
4- الأمن الاجتماعي، إذ يرتبط سيناريو الانهيار الاجتماعي بالسقوط الأمني، وهو مرجّح جدّاً في ظلّ تسارع وتيرة الانهيار الاقتصادي مع ارتفاع البطالة ووجود لاجئين سوريين وفلسطينيين ومن جنسيات أخرى.
5- فدرلة المؤسَّسات الاقتصاديّة بما يتناسب مع سياسات الولايات المتحدة، ما يؤكّد أنّ لدى واشنطن مشروعاً واضحاً يقضي بإنهاء دور مؤسَّسات الدولة والاستثمار بإفراغها، بعد أن كانت من المشرفين الأساسيين عليها، وإيصالها إلى الفشل.
6- وضع تصوّر لطرح جديد يرتبط بإعادة رسملة المصرف المركزي وخصخصة جزء منه على الطريقة السويسريّة، واعتماد النظام المصرفي الرقمي تحت إشراف مباشر من الولايات المتحدة.
7- طرح فكرة المساعدات المالية بقيمة 25 مليار دولار لمواجهة مشروع المقاومة مقابل التدخّل والانخراط، وإقفال الطريق على روسيا، وعدم السماح بالتوجه شرقاً، وتغيير المعادلات الانتخابية، وكسب ملف الغاز بشكل كامل، وخصخصة الموانئ والمرافئ، إضافةً إلى اعتماد مبدأ ضغط الأولويّات لمحاصرة بيئة المقاومة.
8- استغلال عجز الميزانيّة والأزمة المصرفيّة والتضخّم المفرط والبطالة ونسب الفقر العالية للدفع نحو المجاعة، وبالتالي تحقيق استثمار سياسي ينطلق من بناء دويلات طائفيّة لا دولة عصريّة.
من المهم طرح الأسئلة التالية على المجتمع الدولي والولايات المتحدة وأدواتهم في لبنان:
– لماذا تمنعون لبنان من وضع رؤية ماليّة اقتصاديّة جديدة؟
– لماذا يُمنع من وضع نظام ضرائبي عادل؟
– لماذا يُمنع من ترشيد الإنفاق الاستهلاكي والاهتمام بالاقتصاد الاجتماعي؟
– لماذا يُمنع من وضع استراتيجية شاملة لإصلاح النظام المصرفي بطريقة مفيدة للاقتصاد لا للنظام الريعي؟
– لماذا يُمنع من التخطيط والدعم للإنتاج؟
– لماذا يُمنع من التأسيس لنظام نقدي موثوق يعمل ضمن خطط لتحسين أداء الاقتصاد وتطوير الإنتاج؟
– لماذا يُمنع من التوجه شرقاً لإصلاح مرافئه خارج الشروط والاستغلال والتحاصص السياسي الفاسد؟
– لماذا المجتمع الدولي لا يكون داعماً ومشجّعاً للتدقيق الجنائي؟
– لماذا لا يساعد المجتمع الدولي لبنان على استعادة الأموال المنهوبة التي خرجت إلى بلدانه وتحت أعينه؟
كلّها أسئلة موجّهة إلى هذا المجتمع الذي يسمح لكلِّ الدول بالاستفادة من الاستراتيجيات والتوجهات السياسيّة، ويفرض المنع على لبنان فقط.
أخيراً، إنّ من كان يمتلك القرار الاقتصادي في لبنان أوصله إلى الإفلاس، فهل يُعقل أن يُمنح الفريق نفسه فرصة إعادة بناء الاقتصاد الجديد أو أن يتحكّم في قرار الحرب والسلم والدفاع عن البلاد؟
المصدر الميادين نت – الكاتب زياد نصر الدين












