باتت الجزائر على حافة فتنة أهلية ونزعات عرقية، إثر حرق شاب يشتبه فيه بإشعال الحرائق في مدينة تيزي وزو، حيث تصاعدت أصوات الانتقام والتشفي بالمدينة، وسط تحذير متواصل من توظيف الحادثة واستغلال الأزمة التي تعيشها البلاد.
الجزائر – وضع الحادث المأساوي الذي راح ضحيته شاب في مدينة تيزي وزو الجزائرية تنكيلا وحرقا حتى الموت، الجزائر على حافة فتنة أهلية بين سكان مدينة خميس مليانة التي ينحدر منها، وسكان منطقة القبائل، لاسيما مع تصاعد أصوات الانتقام والتشفي التي انتقلت من الواقع إلى شبكات التواصل الاجتماعي.
وعاشت الضاحية المسماة “الأربعاء ناث إيراثن”، بمحافظة تيزي وزو، غليانا شعبيا كبيرا، بعد إطلاق مناشير وتسجيلات تتحدث عن شاب تم توقيفه من طرف السكان كان يقوم بإشعال الحرائق في المنطقة، وهو على متن سيارة سياحية من نوع “ايبيزا” دون لوحة ترقيم.
وأظهرت تسجيلات على شبكات التواصل الاجتماعي جموعا غفيرة من السكان تردد شعارات “لا تسامح”، “سلطة قاتلة”، أمام مبنى الدائرة الأمنية، واتضح أن هؤلاء كانوا بصدد تسليم الموقوف للمصالح الأمنية، غير أن المنعرج كان مع افتكاك الشاب الموقوف من الدائرة الأمنية للغاضبين، أين مورست عليه مختلف أساليب التعذيب والتنكيل ثم أحرق حيّا.
ويتعلق الأمر بالشاب جمال بن إسماعيل، من مدينة خميس مليانة (غربي العاصمة بنحو 120 كلم)، ذو مواهب فنية في الموسيقى والرسم، وهو أحد الناشطين في الأعمال الخيرية، قرّر الانتقال يوم الحادث إلى محافظة تيزي وزو لمساعدة الأهالي والتضامن معهم، بحسب روايات وردت على لسانه في تسجيل ظهر فيه وسط سكان بالمنطقة، وعلى لسان مجموعة من أصدقائه ورفاقه بعد وقوع الحادثة.
وأثار الموت المأساوي الذي تعرض له الشاب موجة من الغضب والحزن لدى الشارع الجزائري، لكن ردود فعل غاضبة توعدت بالانتقام وبملاحقة المجرمين، وأخذ الموقف طابعا إثنيا وجغرافيا بين البربر والعرب، وبين تيزي وزو وخميس مليانة، منذرا بفتنة أهلية يحاول العقلاء التصدي لها بالحكمة والهدوء.
وتجمع الأوساط الجزائرية على التنديد واستنكار المصير المأساوي الذي لقيه بن إسماعيل، وعلى ضرورة الاحتكام للقضاء وللمؤسسات الرسمية، بدل الانزلاق إلى السلوكيات والمحاكمات الشعبية، أو إلى الانتقام، وأن الأجدر كان تسليمه للمصالح الأمنية ومتابعة مجريات التحقيق لمعرفة ظروف وملابسات الحرائق المستمرة في المحافظة إلى غاية الأربعاء.
وتضاربت الروايات بين القائلة إنه “ضبط في حالة تلبس ومعه قنينات بنزين وسيارة دون لوحة ترقيم”، وبين ما ورد على لسان أقربائه وأصدقائه بأنه “شاب خلوق وفنان، بادر بالتطوع والانتقال بنفسه إلى المحافظة للتضامن مع سكانها والمساعدة في عملية الإطفاء”، وحتى التسجيل الذي ظهر فيه يتحدث عن “الوضع الكارثي في تيزي وزو، وإشادته بقيم التضامن والتلاحم المميز بين السكان وكان معه بعض السكان”.
وتطرح عملية افتكاك غاضبين للموقوف من مصالح الأمن التي كان محتجزا لديها، بعد تسليمه لها في وقت سابق، وتركه لمصيره المأساوي للضرب والتعذيب والسحل ثم حرقه حيا، علامات استفهام كبيرة، لأن العمل أظهر ضعف الدائرة المذكورة والتفريط في شخص في حالة خطر.
وذكر بيان لوزارة العدل الجزائرية أنه “على إثر ما تداولته وسائل التواصل الإجتماعي يوم الحادي عشر من أغسطس الجاري، من قتل مواطن عن طريق الحرق، يعلم وكيل الجمهورية لدى محكمة الأربعاء ناث إيراثن الرأي العام، طبقا للمادة الحادية عشرة من قانون الإجراءات الجزائية، بما يأتي: لقد قامت مجموعة من المواطنين بإلقاء القبض على ثلاثة أشخاص كانوا على متن سيارة إثر شكوك راودتهم بأنهم متورطون في حرائق الغابات بمنطقة الأربعاء ناث إيراثن، وبعد أن اعتدوا عليهم بالضرب تدخلت مصالح الشرطة لإنقاذهم وتحويلهم إلى مقر الشرطة”.
وأضاف “غير أن نفس المجموعة واصلت تهجمها على مقر الشرطة باستعمال العنف، وتمكنت من إخراج أحد الثلاثة وسحبه خارج مقر الشرطة إلى ساحة المدينة والاعتداء عليه بالضرب وإضرام النار في جسده مما أدى إلى وفاته، كما تعرض عناصر الشرطة الذين تدخلوا لحماية الضحية وإنقاذه إلى إصابات متفاوتة الخطورة”.
ولفت إلى أن “نيابة الجمهورية أمرت الضبطية القضائية (ضباط الشرطة القضائية) بفتح تحقيق في ظروف وملابسات القضية، للكشف عن هوية الفاعلين وتقديمهم أمام القضاء لنيل جزائهم الصارم طبقا لما تقتضيه قوانين الجمهورية، حتى لا تمر هذه الجريمة البشعة دون عقاب، وسيتم اطلاع الرأي العام بنتائج التحقيق”.
وأعاد العمل سيناريو الطيار الأردني، الذي وضعته عناصر تنظيم داعش في قفص ثم قامت بحرقه حيا، إلى أذهان الشارع الجزائري والمتابعين، ولو أن الأمر يختلف بين حالتي غسل دماغ في الأولى، وغضب عارم في الثانية، لكن الهمجية والبربرية هما القاسم المشترك بينهما.
وأمام تصاعد لهجة الانتقام الشامل والدخول في فتنة أهلية، وجه والد الضحية في تسجيل له “نداء إلى كل الجزائريين من أجل التحلي بالهدوء والتعقل، وتفادي الدخول في فتنة أو مواجهات شعبية، وأن ما وقع لابنه جمال هو عمل معزول لا يمثل موقف سكان منطقة القبائل”.
وشدد على “ضرورة التحلي بالصبر وعدم الاستسلام لشيطان الأحقاد والضغائن، وأن القبائل هم أهلنا وأصهارنا وأصدقاؤنا، ولا يمكن تحويل الحادثة إلى أفعال انتقامية، وأن ابنه سيكون رمزا لمدينة خميس مليانة، بعد الرمز التاريخي علي عمار (علي لابوانت)”.
وتحدث أبناء منطقة القبائل عن تهيّؤ أعيان بلدة الأربعاء ناث إيراثن للتوجه إلى مدينة خميس مليانة من أجل تقديم التعازي لعائلة الضحية والاعتذار لسكان المدينة عما بدر في حق ابنهم من طرف أشخاص معزولين في البلدة المذكورة.