خلافاً لما تزخر به بعض التحليلات من احتمالات وسيناريوات في شأن العلاقة المستقبلية بين سوريا وإيران، على ضوء الانفتاح العربي المتواصل على الأولى، لا يسود اعتقاد في إسرائيل بأن الدول العربية قادرة على فعل الكثير في هذا المجال. ذلك أن عشر سنوات من الحرب لم تفلح في التفريق بين الجانبَين،
فلماذا قد تنجح في ذلك استراتيجية دبلوماسية مُحرّكها الرئيس، أصلاً، السعي إلى التفاهم مع إيران، التي تحوّلت في خلال تلك الحرب إلى «الشريكة الاستراتيجية» لسوريا، بحسب التعليقات الإسرائيلية
لا يُبدي العدو الإسرائيلي ارتياحاً لـ«الانفتاح العربي» على سوريا، والذي يعني – في جوهره – من وُجهة نظر تل أبيب، تخفيضاً عربياً للتصعيد بوجه إيران. وعلى عكس الرأي القائل بأن هذا الانفتاح سيُبعد دمشق عن طهران، فإن الكيان العبري لا يُظهر ثقة بقدرة دولة كالإمارات، ولا حتى الدول العربية الأخرى، على تحقيق نتائج جدّية على ذلك الصعيد. وكانت زيارة وزير الخارجية الإماراتي، عبد الله بن زايد، إلى سوريا حيث التقى الرئيس بشار الأسد، أثارت اهتمام المُعلّقين الإسرائيليّين، الذين عدّوها «بمثابة تحوّل في المنطقة»، مقلّلين من أهمية الموقف الأميركي المنتقِد لها، وواصفين إيّاه بأنه شكلي ولن يتبعه ما يحول دون استمرار مسار التطبيع العربي مع دمشق. ووفقاً هؤلاء، فإن أبو ظبي أخطرت واشنطن مسبقاً بزيارة ابن زايد وأجندتها. لكن بحسب الكاتب والباحث الأميركي، ومحلّل شؤون الشرق الأوسط في صحيفة «جيروزاليم بوست» الإسرائيلية، سيث فرانتزمان، فإن «الرمال في المنطقة تنزلق من تحت أقدام واشنطن».
يعتقد المستوى السياسي في تل أبيب أن السعودية والإمارات ومصر ترى في العودة المُحتملة لسوريا إلى «جامعة الدول العربية»، إجراءً يخدم مصلحتها في مواجهة «المتطرِّفين في إدلب»، الذين بات قرارهم في يد تركيا حصراً. لكن عند الإشارة إلى مسألة «إبعاد سوريا عن إيران»، يَبرز التشكيك الإسرائيلي في أن يكون ذلك أكثر من «احتمال» لم تتّضح جدّيته بعد. ومن جهة أخرى، يَظهر تعقيد الموقف الإسرائيلي ممّا يجري حيال سوريا، في أن تل أبيب دائماً ما تسعى إلى تحسين علاقاتها مع عمّان والقاهرة وأبو ظبي والمنامة، ومِن خَلفها الرياض، أي العواصم الأساسية المنخرطة في مسار الانفتاح؛ لكنها في المقابل عوّلت لسنوات على المجموعات المسلّحة المناهضة للدولة السورية، وبنت معها علاقات واسعة في المنطقة الجنوبية، كما تتمتّع بعلاقات جيّدة مع القوى الكردية المعارضة في الشمال الشرقي، ما يعني احتمال وقوعها في تناقضات كثيرة.
وبالعودة إلى مسألة العلاقة بين طهران ودمشق، ترى وسائل الإعلام الإسرائيلية أنه «لا توجد للأسد أيّ مصلحة في الانفصال عن إيران. لأنه إلى جانب المساعدة الاقتصادية والعسكرية التي يحصل عليها منها، فإنه يستطيع أن يستخدم التحالف معها وسيلة ضغط حيوية، سواءً في الشرق الأوسط، أو أمام الغرب، حتى عندما سيحصل من جديد على شرعيته»، بحسب مقال للكاتب
الإسرائيلي، تسفي برئيل، نُشر في صحيفة «هآرتس»، قبل أيام. ويلفت برئيل إلى أن «(ولي عهد أبو ظبي محمد) بن زايد، أو زعماء عرباً آخرين، لا يطلبون من الأسد الانفصال عن إيران، كشرطٍ لدخوله من جديد إلى النادي العربي». ذلك أن الحراك الإماراتي، ومِن خَلفه العربي، يأتي في سياق مراجعة تجريها بعض الدول المنضوية ضمن المعسكر الأميركي، لسياساتها في المنطقة، انطلاقاً من تراجع الثقة العربية بالمظلّة الأميركية، عقب «الانسحاب الأميركي المشوّش والفوضوي من أفغانستان، واتفاق سحب القوات الأميركية من العراق، والضغط على السعودية للتوصّل إلى إنهاء الحرب في اليمن».
ترى وسائل الإعلام الإسرائيلية أنه «لا توجد للأسد أيّ مصلحة في الانفصال عن إيران»
وفي توصيف لافت، يعتقد برئيل أن ابن زايد يرى في التقارب مع سوريا «فرصة تجارية»، من شأنها أن «تجعله رجل الدولة الأكثر أهمية، والأكثر تأثيراً في الشرق الأوسط»، مستدلّاً على ذلك بسلسلة «خطوات استراتيجية» اتّخذتها أبو ظبي أخيراً، بخلاف العواصم الخليجية الأخرى، بدءاً بإعلان انسحابها من الحرب على اليمن، مروراً بـ«اتفاق السلام» مع الكيان الإسرائيلي، وصولاً إلى ما أُعلن عن نيّة الإمارات إيفاد أحد وزرائها الرفيعين إلى إيران خلال الأيام المقبلة، بالإضافة إلى زيارة مرتقبة لابن زايد شخصياً لأنقرة، بهدف لقاء الرئيس رجب طيب أردوغان، خلال مدّة قصيرة. وفي المقابل، يشير الكاتب الإسرائيلي إلى «تأخّر» السعودية في فهم ما تسبقها إليه الإمارات، حيث «مرّت سنتان إلى أن فهمت السعودية أيضاً، بأن النجوم لا تنتِظم لصالحها، وقرّرت البدء بحوار مع إيران بوساطة العراق»، ثمّ ها هي اليوم تتخبّط في الحرب على اليمن، ولا تملك طريق الخروج منها من دون هزيمة مدوّية. ويَخلُص برئيل إلى أنه «حتى رعايا واشنطن في سوريا أصبحوا لا يثقون بقوّة المظلّة الأميركية التي وُعدوا بها»، بعد «عشر سنوات من الحرب، وأكثر من نصف مليون قتيل ومليونَي لاجئ، لم تنجح في ضعضعة نظام الأسد. وفي المقابل، دائرة النفوذ الإيرانية اتّسعت فقط». ويُضيف أنه «إذا كانت إيران قبل الحرب في سوريا مجرّد دولة لها علاقات سليمة مع سوريا (…) فإنها في أعقاب الحرب، تحوّلت إلى الشريكة الاستراتيجية لسوريا». وفي السياق نفسه، يُذكّر فرانتزمان بأن «الرئيس الأسد تظاهر في الماضي بأنّه سيقلّص دور إيران، لكن ما زال الإيرانيون إلى الآن يلعبون دوراً رئيساً في سوريا»، مضيفاً أن «النظام السوري يعتمد على إيران، والاعتقاد (لدى إسرائيل) هو أنه مع القليل من الدعم، قد يعدِّل النظام موقفه بشكل طفيف ليس أكثر».
في المحصّلة، فإن تقليص الحضور الأميركي في المنطقة، وإمكانية العودة القريبة إلى مفاوضات فيينّا حول الاتفاق النووي، «يزيدان من خشية دول الخليج من إيران، من جهة، ومن تشكّكها حيال الوجود الأميركي واستعداد الولايات المتحدة للوقوف إلى جانبها في حالة هجومٍ إيراني، من جهة أخرى». ومن هنا، لا يعود مستغرباً اندفاع تلك الدول إلى التقارب مع دمشق، على طريق خفض التصعيد مع طهران، وإعادة سوريا إلى ما قبل عام 2011، عندما كانت تمثّل ساحة التقاء للمصالح العربية والإيرانية. باختصار، فإن «ما تعلّمته معظم الدول، هو أنه مع احتلال الولايات المتحدة مقعداً خلفياً في المنطقة، وتفصيلها التركيز على الصين، تُركت دول أخرى لتتولّى زمام الأمور، ورؤية ما الذي قد يأتي بعد ذلك. تحاول الإمارات أن تكون جزءاً من هذه العملية»، بحسب ما يختم به فرانتزمان مقالته.
منصة إعلامية إلكترونية تنقل الحدث الإخباري بشكلٍ يومي تعني بالشؤون المحلية والعربية والعالمية تشمل مواضيعها كافة المجالات السياسية والثقافية والاقتصادية إضافة إلى أخبار المنوعات وآخر تحديثات التكنولوجيا