د.أسامة نورالدين:
لا يترك الرئيس ترامب فرصة ولا مجالا ولا مناسبة إلا ويؤكد على فشل السياسات الأميركية الخارجية، ليس هذا فحسب، بل وتعمدها إحراج أصدقاء الولايات المتحدة بتصريحات بعيدة عن اللياقة والدبلوماسية، وهذا تحديدا ما حدث عندما صرح الرئيس ترامب باستمرار وجوده في العراق، ولكن ليس من أجل توفير الأمن والاستقرار للشعب العراقي وحماية التجربة الديمقراطية التي وعدت بها أميركا الشعب العراقي، وإنما لمراقبة إيران ومنعها من امتلاك السلاح النووي، وكأن العراق قد أصبح دولة بلا سيادة تتواجد فيها القوات الأميركية للإضرار بمصالح الدول المجاورة، فالموضوع لا يتعلق بإيران بل يتعلق بالمنطقة برمتها، فما صرح به ترامب بخصوص إيران يمكن أن يتكرر مع أي دولة أخرى، بل وقد تكون هناك بالفعل عمليات تجسس ومراقبة لنشاطات وتحركات الدول الأخرى بما في ذلك الصديقة للولايات المتحدة، هذا في الوقت الذي أعلن فيه ترامب سحب قواته من سوريا، بزعم الانتهاء من القضاء على تنظيم “داعش”، ما يعكس حجم التناقض في المواقف الأميركية، إذ ما الدافع لسحب تلك القوات من سوريا وتركها في العراق؟ أم أن هذه الإدارة لم يعد لها من دور سوى نشر القلاقل والاضطرابات في المنطقة؟
لا يمكن الجزم بما إذا كان الرئيس ترامب يقصد إطلاق تلك التصريحات بهذا الشكل، فالمتتبع لسياسات الرئيس ترامب منذ توليه رئاسة الولايات المتحدة؛ يلحظ أنه لا يريد العمل بدون مقابل، وهو يرى في الوجود الأميركي في المنطقة وخارجها يكلف الخزينة الأميركية أموالا طائلة، وأنه لذلك يريد من الدول الغنية تحمل تلك الكلفة، ولأن خروجه من سوريا سبب له حرجا شديدا وأثار حوله غضب قيادات المؤسسات الأمنية الذين يرون في هذا الخروج ضررا على المصالح الأميركية، لذا فهو يحاول أن يستفز الدول الموجودة بها القوات الأميركية من أجل المطالبة بخروج تلك القوات لما تسببه من حرج شديد لأنظمة تلك الدول، فالعراق ليس دولة مستباحة كي تقوم الولايات المتحدة بمراقبة أنشطة الدول الأخرى من خلاله، ولا هو مركز تجسس عالمي للاستخبارات الأميركية، لذلك لا يستبعد أن يكون هدف ترامب من تلك التصريحات العنترية سحب القوات الأميركية من العراق مثلما قام بسحبها من سوريا، ولكنه هذه المرة يلقي بالكرة في الملعب العراقي.
يعلم الرئيس ترامب أن المواجهة مع المؤسسات الأميركية باتت صعبة واتباع الأساليب المباشرة في فرض رؤاه وسياساته على الجميع باتت تكلفة الكثير، بل وقد تكلفه منصبه في حال استمر في الضغط على الجميع لفرض رؤاه وقراراته التي يصفها المرشح الديمقراطي السابق في انتخابات الرئاسة الأميركية جون كيري بالمجنونة، وذلك على هامش حضوره منتدى دافوس الاقتصادي في حوار مع قناة “سي إن بي سي” الأميركية، تعقيبا على قرار ترامب بالانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ، والذي من شأنه أن يكلف الناس خسائر بالمليارات.
وأيا كان ما يريده ترامب من هذه التصريحات فإن رد الحكومة العراقية كان مسؤولا وقويا، ويعبر عن رفض صريح للعب مثل هذا الدور المرفوض رسميا وشعبيا، ولكان أفضل لو عبرت الرئاسة العراقية عن رفضها الوجود الأميركي في العراق جملة وتفصيلا، وذلك من أجل الحفاظ على سيادة واستقرار العراق، فكل المصائب التي يمنى بها الشعب العراقي مردها لهذا الوجود، الذي فشل في منع تنظيم “داعش” من التمدد في العراق وسوريا، بل إن هناك اتهامات للولايات المتحدة بأنها وراء خلق هذا التنظيم من أجل تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية.
ولذلك قد يكون آن الأوان من أجل إعادة بناء العراق بالشكل الذي يحقق مصالح أبنائه بعيدا عن التدخلات الأميركية والغربية في شؤونه، واستعادة وضعه ومكانته في منطقة الشرق الأوسط من جديد، خصوصا وأنه يملك الإمكانات المادية والبشرية التي تكفل له ذلك، ولا يحتاج سوى إرادة حرة، ورغبة حقيقة في بناء دولة قوية.
كاتب وباحث علاقات دولية – الوطن العمانية
Discussion about this post