على الرغم من أن حرب أوكرانيا استحوذت على كامل اهتمام الإدارة الأميركية، إلا أن الرئيس جو بايدن أراد أن يثبت للعالم أن أميركا تستطيع رد «العدوان» في آسيا وأوروبا على حد سواء إذا احتاج الأمر، إذ قام بايدن قبل أيام بزيارته الأولى لجنوب شرق آسيا منذ أن أصبح رئيساً، ويرى المحللون أن الهدف من هذه الزيارة هو إعادة النفوذ الأميركي إلى المنطقة في مواجهة الصين.
أطلق الرئيس الأميركي خلال زيارته مبادرة جديدة للشراكة بين دول جنوب شرق آسيا والولايات المتحدة بعد أن انسحب الرئيس السابق دونالد ترامب من اتفاقية الشراكة العابرة للمحيط الهادي عام ٢٠١٧.
ستجمع اتفاقية الشراكة الجديدة بين الولايات المتحدة وقوى إقليمية مهمة كاليابان وكوريا الجنوبية والهند، إضافة إلى أستراليا ونيوزيلندا وبروناي وأندونيسيا وماليزيا والفلبين وسنغافورة وتايلاند وتايوان، ما تعتبره أميركا خطوة مهمة في إعادة السيطرة الاقتصادية على منطقة الهادي وبالتالي تكون بديلاً للطرح الصيني في المنطقة.
لم يقم جو بايدن بإعادة إحياء الشراكة السابقة التي قام الرئيس الأسبق باراك أوباما بتأسيسها، كما كان متوقعاً، لأنها لم تلق موافقة في الكونغرس، كما أن قاعدة حزبه الليبرالية لم تكن موافقة عليها، لذلك قام بايدن بطرح اتفاقية الشراكة الجديدة التي لا تفتح الأسواق الأميركية بشكل كامل أمام الشركاء الآسيويين بل تفرض تعرفة جمركية على دخول البضائع للسوق الأميركية، وكما هي عادة الديمقراطيين لم يستطع الرئيس ضبط أعصابه فأسرع بالتأكيد على استعداد بلاده لاستخدام القوة العسكرية، إذ قال إن أميركا ستتدخل عسكريا لحماية تايوان.
منذ نهاية الحرب العالمية الثانية انقسمت الإدارات الأميركية حول التوجه نحو المحيط الهادي أو نحو أوروبا، واعتبر الديمقراطيون أوروبا وحلف شمال الأطلسي الأهم بالنسبة لأمن أميركا القومي، فهم يعملون دائماً على تقوية حلف الناتو والوجود الأميركي في أوروبا، وربما تكون رغبة أميركا في توسيع الناتو وضم أوكرانيا أكبر دليل على ذلك.
من ناحية أخرى يعتقد الجمهوريون أن أساس المصالح الأميركية يكمن في منطقة المحيط الهادي، لذلك اتجه الجمهوريون نحو جنوب شرق آسيا، فالرئيس ريتشارد نيكسون عمل على فتح العلاقات التجارية مع الصين في سبعينيات القرن الماضي، وهذا ما أراده الرئيس السابق دونالد ترامب الذي دخل في مفاوضات مع كوريا الديمقراطية.
لكن مع تحول العالم إلى نظام عالمي جديد قد تتغير قواعد اللعبة، وقد يكون التحدي الأكبر للولايات المتحدة هو الوقوف في وجه التحالف الصيني الروسي الذي يسعى إلى إعادة إحياء طريق الحرير الذي يوصل أوروبا بالصين من دون الحاجة إلى استخدام الطرق البحرية التي تسيطر عليها الولايات المتحدة.
فهل ستتحرر أوروبا من التبعية للولايات المتحدة وبالتالي تتحول الأخيرة إلى قوة منعزلة خلف البحار؟