من «أوبك+» كان القصف على جبهات الرئيس الأميركي جو بايدن لا يتوقف، بينما تعلو قهقهات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وكأنه يقول: بذات السلاح الذي استهدفتم به الاتحاد السوفييتي استهدفكم.
السلاح الاقتصادي الذي أرعب أميركا وأتباعها، استُخدم في لحظة حاسمة أظهرت بكل وضوح ملامح النظام العالمي الجديد وعنوانه الأبرز «بوتين سيد العالم».
نووي «أوبك+» أكثر فاعلية من أسلحة الردع الإستراتيجي بأشواط، من خلال قرار خفض إنتاج النفط بمقدار مليوني برميل يومياً، الأمر الذي أثار حالة من الهلع والغضب غير المسبوق، في وقت تفتك فيه كوابيس حوامل الطاقة الروسية في العمق الأوروبي، وتقض مضاجع ثمانيني البيت الأبيض، الذي باتت عثراته السياسية تسبق عثرات أقدامه المهتزة، فأقرب حلفائه النفطيين حددوا خياراتهم وباتوا هم من يمسكون بالجزرة والعصا.
الهستيريا الأميركية ليست فقط بسبب قرار «أوبك+» خفض إنتاج النفط، بل إنما بسبب انهيار هيبة واشنطن أيضا التي أضحت بلغة السوق السياسية «لا تمون على نفسها»، في توقيت شديد الحرج بالنسبة لإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن قبل شهر تقريباً من موعد إجراء انتخابات التجديد النصفي للكونغرس، حيث إن هذا الخفض الذي سيدخل سريان المفعول في الأول من تشرين الثاني المقبل من شأنه أن يتسبب في ارتفاع أسعار البنزين والغاز، ما سيسبب كارثة سياسية مهولة على إدارة الرئيس الديمقراطي، وسيستغلها خصومه الجمهوريون حتما كإثبات على فشل سياساته الاقتصادية ومن ثم التأثير على توجهات الناخب الأميركي يوم الاقتراع.
الجنون الأميركي أو بالأحرى الصدمة الأميركية، جعلت سياسيي واشنطن يدخلون بحالة من الهذيان وبدؤوا باستخدام لغة الشتائم ضد الرياض وأبو ظبي، حيث قدم النواب الديمقراطيون توم مالينوفسكي عن ولاية نيوجيرسي، وشون كاستن عن إلينوي وسوزان وايلد عن بنسلفانيا مشروع قانون يطالب بسحب جميع القوات الأميركية من السعودية والإمارات، وشرعوا بسيل من التغريدات التي أظهرت هشاشة الموقف السياسي الأميركي، ليقولوا في تغريداتهم «إن قرار أوبك عمل عدائي من جانب السعودية والإمارات يهدف إلى إيذاء الولايات المتحدة وحلفائها ومساعدة روسيا»، ووصفوا النظام السعودي بالنظام الديكتاتوري الذي يستخدم سيطرته على أسواق النفط لتحطيم الاقتصاد الأميركي ومساعدة أعدائه على حد تعبيرهم.
وجود القوات الأميركية في الخليج العربي بات مصدر قلق على المضيفين والمنطقة برمتها، لأن وجودها قائم على ديمومة التوتر السياسي والعسكري في هذه الجغرافيا، من خلال شيطنة طهران وتصويرها على أنها العدو الذي ستحمي واشنطن دول الخليج منه، ولكن السعوديين والإماراتيين لم تعد تنطلي عليهم هذه الترهات السياسية، وباتت الصورة أوضح أمامهم وسبقوا واشنطن بخطوة كبيرة، في توقيت خطير أظهرت واشنطن كنمر من ورق، على حين يعيش الأوروبي تيهاً سياسياً واقتصادياً مدمراً سيجر عليه الويلات الجسام مهما فعل.
السيناتور الديمقراطي مالينوفسكي كان أكثر السياسيين الأميركيين المصابين بالرهاب والذعر، حيث غرد عبارة لا نعلم إن كانت بقصد أو من دون قصد، وسنراها قريباً وقريباً جداً واقعاً جيوسياسياً جديداً، وهي: «يجب أن تكون رسالتنا لمحمد بن سلمان: إذا كنت تريد الوقوف إلى جانب بوتين، فاطلب من بوتين أن يدافع عنك».
الوطن —– هديل علي