أوروبا بعد الحرب الأوكرانية، بدت كالرجل الذي فقد ظله، لكنها في الحقيقة فقدت استقلالها وقرارها، وانساقت بشكل أعمى وراء السياسة الأمريكية في كل الخطوات التي اتخذتها إدارة الرئيس بايدن ضد روسيا، من دون أن تدرك التداعيات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي بدأت تضرب مختلف الدول الأوروبية وتهدد استقرارها وأمنها.
لطالما عانت دول الاتحاد الأوروبي ال27 الانقسامات الحادة داخلها تجاه مختلف القضايا الداخلية والسياسات الخارجية، وخصوصاً تجاه العلاقات مع روسيا التي تقع ربع مساحتها في القارة الأوروبية، وتمثل الأراضي الروسية 40 في المئة من مساحة القارة.
لقد سعت روسيا منذ انهيار الاتحاد السوفييتي إلى مد الجسور مع دول الاتحاد الأوروبي وصياغة علاقات جديدة، تقوم على المصالح المتبادلة، باعتبارها معنية مباشرة بالأمن والاستقرار في القارة الأوروبية.
وحاول الرئيس السوفييتي السابق ميخائيل غورباتشوف تأكيد الروابط العضوية بين روسيا وأوروبا من خلال طرح فكرة «البيت الأوروبي المشترك»، وقصد به إقامة شكل من أشكال التوحد والتعاون بين روسيا والدول الأوروبية، وتجاوز اختلاف أنظمتها الاجتماعية والسياسية. واعتبر غورباتشوف أنه لتحقيق هذا الهدف يتطلب أمرين أساسيين هما: نزع السلاح من أوروبا، وتعزيز التعاون الأوروبي. لكن هذه الدعوة لم تلق بالاً، لأن الولايات المتحدة كانت ترى أن هذا الهدف إذا تحقق فإن أوروبا سوف تذهب بعيداً في التحرر من قبضتها.
وفي عام 2016 دعا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى تشكيل فضاء مشترك للسلام والأمن في المنطقة الأورو- أطلسية على أساس مبادئ عدم قابلية الأمن للتجزئة في الاقتصاد والسياسة الخارجية، باعتبار روسيا جزءاً من أوروبا ومعنية بأمنها.
لقد تم إنجاز بعض التقدم في العلاقات بين روسيا وأوروبا بفضل تفهم ألمانيا وفرنسا في ذلك الوقت، لأهمية تطوير العلاقات بين الطرفين، بما يدعم استقرار القارة وأمنها، حيث تم في عام 2011 التوقيع على شراكة استراتيجية بين موسكو وأوروبا، تتضمن أربع مساحات مشتركة كإطار لعلاقات أفضل، وتشمل، المساحة الاقتصادية، والمساحة المشتركة للحرية والأمن والعدالة، والمساحة المشتركة في مجال الأمن الخارجي، ومساحة مشتركة للبحث والتعليم والثقافة، لكن البرلمان الأوروبي اعترض عليها لاحقاً بعد ضم روسيا لشبه جزيرة القرم عام 2015.
بل أكثر من ذلك، فقد حاولت روسيا مد جسور التعاون مع حلف الأطلسي من خلال إقامة «مجلس روسيا – حلف الأطلسي» عام 2002 لمعالجة القضايا الأمنية ومكافحة الإرهاب والتعاون العسكري، بما في ذلك تعاون روسيا في نقل الإمدادات العسكرية الأطلسية إلى أفغانستان، وأجريت مناورة عسكرية مشتركة تحت اسم «فيجيلينت سكايز» عام 2011، وكان ذلك بهدف بناء الثقة والحؤول دون توسع حلف الأطلسي شرقاً باتجاه الحدود الروسية. لكن هذه المحاولة فشلت أيضاً، بسبب إصرار الولايات المتحدة على توسيع الحلف وضم أوكرانيا وجورجيا إليه، الأمر الذي شكل استفزازاً لروسيا التي بادرت إلى الحرب الأخيرة في أوكرانيا، لأنها شعرت بأن حلف الأطلسي تجاوز الخطوط الحمر، وبات يهدد الأمن القومي الروسي.
الآن تبصم أوروبا على كل ما تطلبه الولايات المتحدة، فيما تستعد إلى عواصف الشتاء من دون غطاء.
مصدر الخبر
افتتاحية الخليج الإماراتية













