شهر رمضان المبارك هو شهر الجهاد، ففيه تحققت انتصارات عظيمة. وفيه خاضت المقاومة الفلسطينية معركة “سيف القدس” في رمضان عام 2021 استجابة لصرخات أهل القدس وحي الشيخ جراح، والتي حققت من خلالها كتائب القسام والمقاومة الفلسطينية معادلة وحدة الساحات.
يدرك مسؤولو الاحتلال جيدًا خصوصية هذا الشهر العظيم بالنسبة للمسلمين عامة والفلسطينيين خاصة. اذ تزداد فيه وتيرة العمليات الجهادية ضد كيان الاحتلال، كما تستعد فيه أجهزته الأمنية بترتيبات معينة في مدينة القدس وأماكن الاحتكاك مع المواطنين الفلسطينيين كل عام.
ولكن ما استوقفني هنا أن هذا العام ازدادت وتيرة ونغمة التحذير من احتمالية حدوث تصعيد مع غزة. رغم أن احتمالية التصعيد كانت واردة في الأسابيع السابقة الا أن تركيز وزراء واعلام الاحتلال متجهة الى شهر رمضان بشكل ملفت للانتباه. وتحرك الوسطاء لمنع حدوث التصعيد يوحي بأن هناك أمر خطير يدبر له الاحتلال، ويجعلنا نقف قليلًا عند هذه التصريحات المتلاحقة لمسؤوليه.
وهذا الأمر الخطير يحتمل إحدى السيناريوهات الثلاث التالية:
أولا: يستعد الاحتلال للقيام بعمل او إجراء حدث معين في مدينة القدس أو ضد المقدسات الإسلامية في المدينة على غرار ما حدث في الشيخ جراح واندلاع معركة “سيف القدس” في أيار /مايو عام 2021 كما ذكرنا سابقًا، حيث أن مدينة القدس هي قبلة الصراع الاولى.
ثانيا: احتمالية القيام بعملية عسكرية في الضفة الغربية للقضاء على عناصر المقاومة كما حدث في عملية الاجتياح للضفة الغربية والتي أطلق عليها الاحتلال اسم “السور الواقي” في آذار/ مارس عام 2002، حيث أن عمليات المقاومة ضد تؤلم الاحتلال بشكل كبير. ويتخوف مسؤولو الاحتلال من تزايدها بشكل كبير في شهر رمضان المبارك، والملفت للانتباه ان هذه العمليات اخذت أشكالا أكثر تنظيما وتخطيطا منذ بداية هذا العام وهي تنفذ بشكل دقيق كعمليات علقم وقراقع وخروشة.
ثالثا: القيام بضربة عسكرية لحزب الله او للبرنامج النووي الايراني، حيث أن تقارير الخبراء توضح أنه تبقى لإيران 6% لامتلاك القنبلة النووية، وعلى ما يبدو ان الاحتلال حصل على الموافقة الامريكية لتوجيه ضربة لها تزامنًا مع زيارة غير معلنة لرئيس هيئة الاركان الأمريكية المشتركة “مارك ميلي” للقاء رئيس أركان الاحتلال، وسط حركة دبلوماسية نشطة للدول المحيطة بالجمهورية الاسلامية الايرانية.
وعلى ما يبدو من الحراك الموجود من الوسطاء لقطاع غزة، فإن سيناريو ضربة عسكرية لإيران هو الأقرب في شهر رمضان المبارك، سواء كانت ضربة أمريكية او صهيونية مدعومة من واشنطن. وبذلك فإن احتمالية التصعيد مع غزة يأتي من تخوّف المستوى الأمين للاحتلال من رد المقاومة الفلسطينية من غزة عند القيام بأحد السيناريوهات الثلاثة السابقة الذكر، مما سيربك حسابات الكيان. ولذلك يحاول الأخير أن يوصل الرسائل من خلال التصريحات المتلاحقة للوسطاء بضرورة التدخل لتحييد غزة.
إن المقاومة بغزة وعلى رأسها “كتائب القسام” تدرك جيدًا أهداف مسؤولي الاحتلال من الاستفراد بجبهة على حساب اخرى، ولهذا فيجب إرسال الرسائل المباشرة والتي مفادها أن ما حققته المقاومة من معادلة وحدة الساحات لا يمكن بأي شكل من الاشكال التراجع عنه، وقريبا سيتم تثبيت معادلات أخرى، فغزة ستكون سيفًا مغروسًا في خاصرة هذا الكيان. وهذا ما تحقق فعلًا حين أرسلت حركة حماس رسالة للوسطاء بأن صبر المقاومة نفذ وهي مستعدة لمواجهة عسكرية حتى في شهر رمضان، بعد أن استشهد 6 مقاومين في جنين.