اتفقت المملكة العربية السعودية وإيران على إعادة العلاقات الدبلوماسية بينهما وإعادة فتح سفارتيهما، وذلك وفقاً للبيان الثلاثي الصادر عن السعودية وإيران والصين، في 10 مارس 2023، كما أكد البيان أن الجانبين اتفقا على احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية. وعلى الرغم من الترحيب الأمريكي بهذه الخطوة، فإن تصريحات المسؤولين الأمريكيين عكست “ارتباكاً وتضارباً واضحاً”، بين التهوين منها، ثم الترحيب بها، والتشكيك في فاعليتها.
تضارب التصريحات الرسمية
يلاحظ أن الموقف الأمريكي من الاتفاق الثلاثي السابق جاء متضارباً، وهو ما يتضح من مراجعة مختلف التصريحات الصادرة عن الرئيس الأمريكي والمسؤولين في البيت الأبيض ووزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي، وهو ما يمكن تفصيله في النقاط التالية:
1– تجاهل الرئيس الأمريكي الحدث: ألقى الرئيس الأمريكي، جو بايدن، على جمع من الصحفيين، في 10 مارس 2023، تقريره لشهر فبراير الماضي بشأن حالة الاقتصاد الأمريكي، وبيانات التوظيف التي تعكس تعافي اقتصاد بلاده، دون الإشارة إلى أي تعليق عن التطبيع السعودي الإيراني. وحينما وجه له سؤال بشأن استئناف العلاقات السعودية الإيرانية، تجاهل الرد عليه، مؤكداً في عبارة مقتضبة أن “العلاقات بين إسرائيل وجيرانها العرب في المنطقة هي الأفضل للجميع”.
2– ترحيب أمريكي بالتهدئة: أكدت المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارين جان بيير، خلال مؤتمر صحفي أن البيت الأبيض على دراية بالتقارير بشأن الاتفاق بين إيران والسعودية، وأنه يرحب بأي جهود تُسهم في إنهاء الحرب في اليمن وخفض التوترات في منطقة الشرق الأوسط، بل وأشارت إلى أن هذا هو أحد الأسباب التي دفعت الرئيس بايدن للسفر إلى الشرق الأوسط، في يوليو 2022، لإجراء مباحثات وتقريب وجهات النظر بين الأطراف.
ويبدو أن الإشارة إلى هذه الزيارة كانت محاولة لحفظ ماء الوجه أمام المجتمع الدولي، وللتأكيد أن الولايات المتحدة الأمريكية هي أول من وضع الركائز الأساسية للحد من تصعيد التوتر في الشرق الأوسط، خاصة وأن الهدف الرئيس لهذه الزيارة هو محاولة تأسيس ما اصطلح على تسميته وقتها “ناتو عربي” في مواجهة إيران.
3– التشكيك في استمرار الاتفاقية: خرجت تصريحات أمريكية تشكك في جدوى الاتفاق، فعلى سبيل المثال، حذرت الخارجية الأمريكية في بيان لها قائلة: “بالطبع، يبقى أن نرى ما إذا كان النظام الإيراني سيحترم من جانبه تلك الصفقة أم لا”، في تلميح إلى أن الأخير لن يحترم اتفاق استعادة العلاقات الدبلوماسية مع السعودية، وأنه سوف يعمد إلى إثارة الاضطرابات الإقليمية مجدداً، ولم يختلف موقف المتحدث باسم مجلس الأمن القومي، جون كيربي، عن الموقف السابق، إذ أنه على الرغم من تأكيده أن الاتفاق مثّل “تطوراً إيجابياً”، فإنه أعرب عن أمله في أن يعمل على إنهاء الحرب في اليمن، ومع ذلك، شكك كيربي في مدى احترام الإيرانيين للاتفاق، مؤكداً أن النظام الإيراني ليس نظاماً يحافظ على كلمته.
وأضاف: “أنه لا ينبغي تفسير دور الصين كوسيط في إنجاح الاتفاقية على أنه خسارة للنفوذ الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط”. مؤكداً “أنه لولا الضغوط الداخلية والخارجية التي فُرضت على إيران بدعم أمريكي وليس صيني، لما كانت الأخيرة جلست على طاولة المفاوضات لحلحلة مشكلاتها مع دول المنطقة”.
4– غضب إعلامي ورسمي من الدور الصيني: عبّرت الصحافة الأمريكية عن غضبها من هذا الحدث لتصف الرئيس الصيني، شي جين بينغ، بأنه يقود حملة عالمية لتحدي النظام الليبرالي الغربي بقيادة الولايات المتحدة، واستطردت لتؤكد أن الصين لا يمكن أن توفر نفس الحماية العسكرية التي توفرها واشنطن لدول الخليج.
كما أكد كيربي أن بلاده ستظل يقظة تجاه الصين؛ وستواصل مراقبتها لها طالما استمرت في محاولة كسب النفوذ والدعم في العالم من أجل مصالحها الأنانية، رافضاً بشدة فكرة أن الولايات المتحدة تركت فراغاً في شؤون الشرق الأوسط، تملؤه الصين حالياً.
دلالات الاتفاقية أمريكياً
لا شك في أن الاتفاقية تركت انعكاسات مباشرة على الولايات المتحدة من نواحٍ عديدة، وهو ما يمكن تفصيله على النحو التالي:
1– تراجع دور واشنطن: وصف بعض المحللين الاتفاقية بأنها صفعة ثلاثية الأبعاد للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، ويرجع ذلك إلى استبعاد واشنطن تماماً من ترتيبات الاتفاقية، مما عكس تراجعاً واضحاً في مكانتها على المستويين الدولي والإقليمي الشرق أوسطي، بل وأشارت بعض الأخبار إلى أن واشنطن لم تكن تعلم من الأساس بوجود مفاوضات جارية بين الرياض وطهران برعاية بكين.
ويلاحظ أن ذلك الأمر يعود إلى السياسات الأمريكية نفسها، إذ أن إدارتي الرئيسين، الأسبق باراك أوباما، والحالي بايدن، طالبتا بضرورة فك الارتباط بدول المنطقة، وتقليص الوجود العسكري فيها، وهو ما مثل تهديداً للرياض، خاصة مع انتقادات إدارة بايدن المستمرة للرياض. وترتب على تلك السياسة، قيامها بمراجعة علاقاتها بواشنطن والانفتاح على القوى الدولية الأخرى.
2– تعاظم الدور الصيني: يُعد الرابح الرئيس من الاتفاق بين السعودية وإيران هو الصين، والتي تمكنت من تحقيق ذلك الإنجاز على حساب الولايات المتحدة، التي وجدت نفسها خارج المعادلة السياسية في هذه اللحظة الاستراتيجية الحاسمة. وهكذا يبعث الاتفاق برسالة رمزية “قوية” إلى واشنطن بأن الصين باتت فاعلا ًمحورياً في الشرق الأوسط، بعدما كانت تتجنب التدخل سياسياً في المنطقة، وتكتفي بالمظلة الأمنية الأمريكية.
3– تبني السعودية مساراً براغماتياً: أصبحت المملكة تتبنى نهجاً براغماتياً في سياساتها الخارجية، يصب فقط في حماية مصالحها دون الالتفات إلى الضغوط الأمريكية. ولا شك في أن إدارة بايدن تتحمل مسؤولية ذلك، إذ أنها لم تقدم أي خطوات إيجابية، منذ عام 2021، تعكس أهمية التحالف الأمريكي السعودي.
التداعيات المحتملة
ثمة انعكاسات مباشرة للاتفاق السعودي الإيراني بوساطة صينية يمكن تناولها على النحو التالي:
1– تحولات استراتيجية في الشرق الأوسط: يلاحظ أنه في حال صمود التوافق السعودي الإيراني، فإن المنطقة العربية ستشهد تحولات استراتيجية واضحة، يأتي في مقدمتها حلحلة الأزمة اليمنية، فقد صرح المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، في 13 مارس، بأن اتفاق استئناف العلاقات بين السعودية وإيران قد يكون سبباً لحل الأزمة اليمنية، وهو ما يكشف عن أن هذا الملف كان محل نقاش أثناء الوساطة الصينية، وإن لم يتم الكشف عن ذلك حينها.
وبالتالي، فإنه من المتوقع أن تُسهم التهدئة بين الرياض وطهران في التوصل إلى هدنة في اليمن، حتى وإن كان من الصعب في المراحل الأولى التوصل إلى تسوية شاملة تنهي الصراع بين الحكومة الشرعية اليمنية، المدعومة من دول الخليج العربية وبين المليشيات الحوثية المدعومة من إيران لتعقد ملفات التسوية وتعددها.
وقد يكون ذلك مقدمة كذلك لتسوية بعض الأزمات الإقليمية الأخرى، مثل أزمة تشكيل الحكومة اللبنانية، خاصة وأن لبنان يشهد فراغاً حكومياً ورئاسياً منذ عدة أشهر، بسبب الخلافات على تسمية رئيس الدولة الجديد.
2– استمرار الجهود الإسرائيلية: تعتقد إسرائيل بأن الاتفاق الأخير لن يغير سياسة الرياض تجاه تل أبيب؛ حيث إن العداء بين المملكة وإيران سيبقى كما هو، وما يدل على ذلك هو أن عُمان والعراق حاولتا التوسط بين إيران والسعودية بدءاً من سنة 2019، ولم تحققا شيئاً. ولا تتوقع تل أبيب أن يغير الاتفاق السعودي الإيراني من ذلك الواقع.
3– تقدم طهران في برنامجها النووي: يلاحظ أن الاتفاق السعودي الإيراني لم يتناول الهواجس الخليجية من تحوّل إيران إلى دولة عتبة نووية، بل إنه جاء في أعقاب تردد واشنطن في انتقاد إيران بسبب رفعها تخصيب اليورانيوم إلى مستوى يقارب 84%، وهو ما شكك في قدرة واشنطن على التعامل مع هذا الملف بفاعلية.
وسوف يبقى التساؤل مطروحاً عن فرص نجاح واشنطن في إحياء اتفاق نووي مع إيران يضمن عدم امتلاكها لسلاح نووي، أو تقديم تعهدات أمنية إلى دول الخليج العربية لحمايتها من تهديدات إيران. ويبدو أن واشنطن تبدو عاجزة عن القيام بكلا الأمرين، حتى الآن، وهو ما يضعف نفوذها، ويدفع حلفاءها الإقليميين للبحث عن سياسات بديلة لما هو مقدم أمريكياً.
وفي التقدير، يمكن القول إن الإدارة الأمريكية في حاجة ماسة إلى تغيير توجهاتها الخارجية، إذ ما أرادت الحفاظ على حلفائها من دول الخليج العربية، خاصة وأن الاتفاقية السعودية الإيرانية، والتي تمت برعاية صينية، تكشف عن تراجع في النفوذ الأمريكي الشرق أوسطي، إذ يبدو أن واشنطن لم تتخيل أن تقوم بكين برعاية اتفاق بين الرياض وطهران، وأن تنجح في ذلك، حتى ولو بشكل مبدئي
منصة إعلامية إلكترونية تنقل الحدث الإخباري بشكلٍ يومي تعني بالشؤون المحلية والعربية والعالمية تشمل مواضيعها كافة المجالات السياسية والثقافية والاقتصادية إضافة إلى أخبار المنوعات وآخر تحديثات التكنولوجيا