تشير استطلاعات الرأي إلى أن الجمهور يفقد الثقة في حكمه الاستبدادي. ففي ظهيرة جميلة من الأسبوع الماضي، كانت الساحة المركزية في طرابزون مزينة بالأعلام التركية، معلقة مثل الرايات من أفاريز المباني العثمانية التي تنتشر على حوافها. ورأيت ملصقات ضخمة للرئيس رجب طيب أردوغان، وكتب على إحداها: “الوقت المناسب، الرجل المناسب”.
في اليوم السابق، خرج عشرات الآلاف لرؤية الرئيس في تجمع حاشد في هذا المعقل المحافظ على البحر الأسود، حيث قاعدته صلبة لدرجة أن حزب العدالة والتنمية (AKP) فاز في الانتخابات العامة الأخيرة، وحصل على ما يقرب من 70 في المئة من الأصوات. وعلى هذا النحو، على مدى 20 عامًا، حكم أردوغان، 69 عامًا، البلاد أولاً كرئيس للوزراء، ثم انتخب رئيسًا في العام 2014، إلا أن نظرة فاحصة تظهر أن شيئا قد تغير، فتركيا ستشهد يوم الأحد المقبل أهم انتخابات لها في تاريخها الحديث، والرئيس في المستوى نفسه من استطلاعات الرأي مع منافسه زعيم حزب الشعب الجمهوري كليتشدار أوغلو.
ولأول مرة منذ عقدين، باتت خسارة أردوغان محتملة، حتى في طرابزون المدينة التاريخية التي كان يطلق عليها الإغريق تراب زيوس، ويُتوقع أن تتراجع شعبية أردوغان. وتقول إليف تشافدر (39 عاما): “صحونا لنرى ما يحدث هنا وأن هناك الكثير من الأكاذيب”، وهي ناخبة سابقة لحزب العدالة، وستصوت للمعارضة: “كنت عمياء ولم أر ما يحدث”.
ومع ذلك، لايزال أردوغان يتمتع بقدر من الدعم من قاعدته التي تنظر إليه كرجل دولة مسؤول حوّل تركيا إلى قوة عالمية، لكن شعبيته تأثرت بعوامل عديدة من خلال التعامل مع الاقتصاد والفساد والفضائح، والرد غير الكافي على الزلزال الذي ضرب تركيا في شباط/ فبراير، والشعور بأن أهم سياسي في جيله فقد الصلة بالواقع. ويعتقد السكان أن الحكومة تزوّر الأرقام الرسمية حول نسب التضخم التي وصلت إلى 85% لإظهار أن البلد يسير على طريق التعافي.
وهناك عامل قد يعمل ضد أردوغان، وهو أثر الجيل الجديد من الناخبين، فخُمس الناخبين هم من الشباب تحت سن الـ25 عامًا، ونصفهم لم يصوت أبدًا، ونشأوا تحت ظل أردوغان. وتظهر استطلاعات الرأي أنهم يعارضون ميول أردوغان الديكتاتورية، وأي تحول ولو كان صغيرًا سيترك تداعيات ضخمة. وبالنسبة للكثير من الجيل الشاب، فأردوغان غير ليبرالي، وهيمن على حياتهم ويريدون التغيير
وقبل أسبوع من الانتخابات، وضعت الاستطلاعات شعبية أردوغان عند مستوى 42.5%. فيما حصل غريمه كليتشدار على نسبة 48.5% أي أقل من نسبة 50% التي يجب الوصول إليها في الجولة الأولى من الانتخابات.ويعني تراجع دعم الرئيس في معاقله مثل طرابزون حرف الميزان لصالح المعارضة. ويقول الخبير السياسي والباحث في تيم ريسيرتشر نزيه كورو ستنخفض حصة الحكومة من الأصوات في طرابزون مقارنة مع انتخابات العام 2018، وقد ينخفض دعم أردوغان في التصويت الرئاسي بنسبة 10%، مقابل ارتفاع حصة المعارضة.
ويتوقع ديريا كومورتشو من مجموعة “يونليم” المستقلة للأبحاث أن تنخفض حصة حزب العدالة والتنمية بنسبة 10%، “فهم لا يزالون الحزب الأول في طرابزون، في حين تزداد المعارضة قوة”.
وتتهم المعارضة حزب العدالة والتنمية باللجوء إلى الحيل القذرة. وتقول مرشحة حزب الشعب الجمهوري سيبل سويزميز إن ملصقات الحزب مُزقت قبل احتفال أردوغان، وبعض الملصقات كان معلقًا في أماكن عالية بحيث لا يمكن إزالتها إلا من خلال شاحنة، و”نعتقد أنهم استخدموا شاحنات البلدية لإزالتها”، متهمة العدالة والتنمية بذلك، “نعرف من فعل هذا”. وعبّرت عن مخاوفها من تلاعب الحزب الحاكم بالنتائج، بالقول: “لم يعد مستحيلاً القول إن هذه الانتخابات لن تكون نزيهة. والناس قلقون من أن أصواتهم لن تكون ممثلة في نتائج الانتخابات. ويحاول حزب العدالة والتنمية تصوير هذه الانتخابات بالحرب”، ومع أن المعارضة لا تتوقع الفوز في الانتخابات، إلا أنها تتوقع زيادة حصتها في طرابزون. وأضافت سويزميز إن لدى طرابزون أكبر نسب البطالة بين خريجي الجامعات، ومن الصعب الحصول على وظيفة. وتراجعت الزراعة والمراعي، والناس يتركون المدينة، وفوق كل هذا، يريد الناس الحرية والعدالة، وهناك موجة من الناس تتطلع للتغيير”.
ويُعتقد أن السبب وراء تراجع شعبية أردوغان وحزبه في طرابزون مرتبط بصعود عمدة إسطنبول أكرم إمام أوغلو المولود في طرابزون الذي قد يصبح نائبا للرئيس لو فازت المعارضة. وقام إمام أوغلو بجولات انتخابية حيث استُقبل بحفاوة. ويتناقض أسلوبه الواثق مع الهدوء والحذر الذي يمثله كليتشدار أوغلو، ويتمتع بنفوذ بعد أن هزم حزب العدالة والتنمية في انتخابات بلدية إسطنبول عام 2019. لكن كومورتشو قال: “هو قوي في منطقة البحر الأسود”، و”شاهدنا في السياسة التركية أن سكان البحر الأسود كانوا مؤثرين خلال العشرين عاما الماضية، لكن إمام أوغلو هزم أردوغان في الماضي، ويهتم سكان البحر الأسود برجل من بينهم. وإمام أوغلو بمثابة الجزء العضوي لهم”.
وقلل مساعد منطقة طرابزون في حزب العدالة والتنمية أردنتش غوراي من التحدي، قائلا: “نتوقع ارتفاع نسبة أصواتنا عن الانتخابات السابقة”، وقال” أردوغان هو الرجل الحقيقي من البحر الأسود: “لا نحب الناس الهادئين الذين لا يعبّرون عن قلقهم… هو رجل قوي”.
وقال فكرت كولاك (60 عاما) صاحب دكان قرطاسية وسط طرابزون” إن الحديث عن تراجع حزب العدالة والتنمية هو اختلاق من المعارضة: “لا يتراجعون بل يرتفعون في الحقيقة.. أشخاص مثلك هنا لإثارة المشاكل، ولا تريدون أن يكون هذا البلد مستقلًا. الرئيس أردوغان سيفوز، وهناك المزيد من العمل الواجب القيام به”.
منصة إعلامية إلكترونية تنقل الحدث الإخباري بشكلٍ يومي تعني بالشؤون المحلية والعربية والعالمية تشمل مواضيعها كافة المجالات السياسية والثقافية والاقتصادية إضافة إلى أخبار المنوعات وآخر تحديثات التكنولوجيا