«منذ البداية، قلت لبنيامين نتنياهو إن الرهان على هذا النوع من المخلوقات أقرب ما يكون إلى الرهان على مخلوقات والت ديزني».
الكلام نقله الينا زميل فرنسي عن شخصية يهودية بارزة التقت الملياردير النيويوركي شلدون ادلسون الذي كان أحد العرابين الكبار لصفقة القرن.
ادلسون الذي طالما افتتن بـ«عبقرية» هنري كيسنجر، يرى فيه، الآن، رجل البارانويا السياسية بعدما كان قد أبلغه بأن سورية آيلة، حتماً، إلى السقوط والتفكك. حينذاك إذ تنشأ «معمارية إستراتيجية خلاقة»، تقفل أزمة الشرق الأوسط بدولة فلسطينية «خارج التراب الإسرائيلي»، وبمواصفات الحد الأدنى.
على الرغم من كل ما حدث، وما يحدث، على الأرض، ثمة شاشات، ناطقة باسم هذا البلاط أو ذاك، لا تزال تصر على لغة الأقبية، وعلى لغة الكهوف، وحتى على لغة الأبالسة، في مقاربة الحدث السوري.
الذين ما زالوا يراهنون، بالعيون العرجاء، على ليل البرابرة، متى يدركون أنه لم تعد لديهم الفرصة للنفاذ من شقوق الجدران، ولا من ثقوب العباءات.ش
الكثير مما ينشر، ومما يقال، في القارة العجوز يشير إلى أن المراجع العليا هناك على اقتناع تام بأن رقصة الدم قد توقفت. في واشنطن، البلبلة أكثر من أن تكون مذهلة. هذا لا يمنع الذئاب داخل اللوبي اليهودي من الضغط في هذا الاتجاه أو ذاك. ثمة مراكز للقوى داخل «الدولة العميقة» تحذر من السياسات البهلوانية التي قد تفجر الشرق الأوسط من أدناه إلى أقصاه.
تكفي متابعة مقالات المعلقين التابعين لذلك اللوبي، وقد انحسرت على نحو لافت، لنزداد قناعة بأن اللعب، حتى اللعب التكتيكي، في العمق السوري، بات مستحيلاً. لا عودة قطعاً عما تحقق، وعما سيتحقق. في المثل الأوروبي إن الأحصنة التي تجر العربة لا تعبأ بالحصى.
نتنياهو الذي طالما حاول أن يظهر، في الاجتماعات التي واكبت الأزمة السورية، بدور المايسترو الذي باستطاعته أن يتجاوز كل الخطوط الحمراء، يكاد يأخذ بكلام صديقه أدلسون في أن الرهان على «مخلوقات والت ديزني» رهان عبثي، بل و«سيزيفي» أيضاً.
كنا قد نقلنا شكوى البعض الذين كانوا، وما زالوا، يعاملون كما أكياس القمامة على أرصفة إسطنبول. الآن، أكاديمي معروف، باع جلده في سوق النخاسة، قال، إثر انصرافه إلى عمله السابق، «لكأننا أكياس من الشعير»!
سورية لا يمكن إلا أن تكون سورية. السوريون لا يمكن إلا أن يكونوا السوريين. ليعلم القاصي والداني أن العلاقات مع الحلفاء، ومع الأصدقاء، هي علاقات القيم، وهي علاقات الرؤى، بعدما أثبتت القيادة في سورية، وقد تعرضت لـ«أكثر الحروب جنوناً في التاريخ» بحسب الأميركي أنطوني كوردسمان، أنها تمثل روح سورية، وسيادة سورية، وعنفوان سورية.
لا أحد إلا ويعلم، أي اتصالات، وعلى أي مستوى، تجري للعودة إلى دمشق. ديبلوماسي خليجي بارز أكد لنا أن من كانوا يتوجسون من تداعيات اللاءات الأميركية يشعرون اليوم أن المراوحة في الموقف قد تكون مدمرة. أما من كانوا يراهنون على بنيامين نتنياهو فقد باتوا على اقتناع بأنه الرهان على الشيطان. هذا لا يعني أن لعبة الأقنعة توقفت كلياً.
حديث في عاصمة عربية عن «العودة الأوركسترالية» إلى ضفاف بردى التي أرادها الكثيرون ضفاف النار. وراء الضوء لكأنها الصرخة: من نحن من دون سورية؟
أجل.. من نحن؟
نبيه البرجي
Discussion about this post