مساعي بولتون وبومبيو للانقلاب على الرئيس نيكولاس مادورو وتنصيب خوان غويدو رئيساً، تراهن على أن تقوم "منظمة الدول الأميركية" كما قامت دول الجامعة العربية في تحمّل أعباء التدخل العسكري للغزو الخارجي وتفجير البلاد. لكن صمود الجيش الفنزويلي في دفاعه عن الرئيس وسيادة الدستور أفشل بموازاة انقسام منظمة الدول الأميركية مغامرة أميركا في مهدها، ما يؤدي إلى انعكاسات سلبية محتملة على إدارة ترامب التي تتخلّص من فشل في الشرق الأوسط لتقع بمثله في أميركا اللاتينية.
ما يحشد له مايك بومبيو من حلفاء في أميركا اللاتينية، يسعى إلى استكماله بالضغط على الدول الأوروبية التي تقف في الصف خلفه للانقلاب على الرئيس نيكولاس مادورو وتنصيب رئيس الجمعية الوطنية خوان غيدو رئيساً انتقالياً. لكنه يجمح أكثر من ذلك في دعوة دول العالم إلى دعم الحرية وحماية الشعب الفنزويلي كما قال أو الوقوف مع إيران وكوبا وروسيا والصين. وفي ذهنه على الأرجح استعادة دور الجامعة العربية ومجلس الأمن و"دول العالم الحر" في غزو ليبيا وسوريا واليمن والبحرين… بذريعة محاربة الاستبداد والدفاع عن حقوق الانسان والديمقراطية واللازمة المعروفة.
بومبيو الذي عيّن إليوت أبرامز مسؤولاً في إدارته عن فنزويلا، لا يعتمد على التأييد الشعبي لرئاسة غويدو في فنزويلا وفي أميركا اللاتينية. فالشاب المتخرّج في إدارة الأعمال من جامعة جورج واشنطن يطمح إلى تدريس إدارة الأعمال الخاصة في فنزويلا وهو مغمور بين أوساط المعارضة بالمقارنة مع إنريكي كابرليس وغيره في أحزاب المعارضة الأربعة، ولا يكسب ثقة المحتجين على الأزمة الاقتصادية الخانقة في المظاهرات التي اتخذها بومبيو طلباً للإنقاذ من الاستبداد كما قال.
لم يأتِ بومبيو مع إبرمز وبولتون بجديد عما حاول القيام به سلفه جيمس ماتيس في إعداد محاولة انقلاب تحت إشراف مستشاره السابق للأمن القومي إتش آر ماكماستر في تعطيل الحوار بين مادورو والمعارضة، وفي تجنيد العصابات الإجرامية الكولومبية التي أعلنت مسؤوليتها عن محاولة اغتيال مادورو باسم "الحركة الوطنية لجنود القمصان" بمساعدة أثنين من الجنرالات في آب/ أغسطس الماضي.
على الطريق نفسه استخدم بومبيو وبولتون خوان غوديو حصان طروادة في استدعائه إلى واشنطن وذهابه إلى كندا وكولومبيا والأرجنتين، كما كشفت صحيفة وول ستريت جورنال، لتنظيم محاولة الانقلاب. وقد استقر الإعداد على كندا لأهميتها في منظمة الدول الأميركية التي انقسمت الشهر الماضي ولم تؤيد تغطية الغزو العسكري لتدمير فنزويلا على غرار الجامعة العربية. بل دعا أغلبية الأعضاء في المنظمة البالغة 32 دولة إلى الحوار والمحافظة على الاستقرار بينما أيّد التدخل الخارجي 16 عضواً. والسبب الآخر لاختيار كندا هو تبنّي كندا المعتقدات الصهيونية فيما تسميه " الشر المطلق" الذي يدعم إيران وسوريا والحقوق العربية العادلة والقضية الفلسطينية مثل كوبا وفنزويلا. وهو حال الحكم اليميني في الارجنتين بموازاة دور "إسرائيل" وتأثير الجالية اليهودية الكبير، وكما باتت عليه البرازيل تحت حكم يائيير بولسونارو في معتقدات المسيحية الصهيونية إضافة إلى فاشية الجنرالات الخمسة في حكومته المنقولة من مشاركتهم السابقة مع رئيسهم في حكم الدكتاتورية العسكرية.
بومبيو يراهن في الانقلاب على دعمه العصابات الاجرامية الكولومبية التي يمكنها نشر شريعة الغاب وعلى مساعدة جنرالات الحكومة البرازيلية بخبرتهم الطويلة أثناء الحكم العسكري، فضلاً عن تأييد الارجنتين والبارغواي والأكوادور. لكن كل ذلك وما يحشده في مجلس الأمن والدول الأوروبية ومن الحلفاء في أميركا اللاتينية لا يكفي لإحداث انقلاب. يراهن على انقسام الجيش في فنزويلا وانحيازه للانقلاب كما انشق الملحق العسكري في واشنطن خوسيه سيلفا ورآه البيت الأبيض "نموذجاً لدور الجيش". ولا ينقسم الجيش الذي عبّر وزير الدفاع فلاديمير بادرينو عن استعداده الدفاع عن فنزويلا ضد التدخل الخارجي وحماية السيادة الوطنية. فهو صنو المقاومة الشعبية المسلّحة ضد العدوان ومهندس الخطة التي أعلن عنها مادورو لصد محاولات الإنقلابيين في الداخل والخارج.
الأزمة الاقتصادية الخانقة وحالة الفقر المدقع التي تحرّك غالبية المحتجّين في الشارع، ليس ما يحرّك الفئات الداعية للعودة إلى الحظيرة الأميركية من التجّار والطبقات الغنيّة البيضاء. فهذه الطبقات القائمة على الاستيراد والتصدير تأمل تسهيل أعمالها وانتزاع بعض المكتسبات من فقراء البشرة الداكنة (مورينو). ومن نكد الدنيا على فنزويلا أن هذه الفئات لم تعتمد في أعمالها على الصناعة والزراعة والحرفيات وعلى أي انتاج محلي، في بلد حاول تشافيز نقل سكانه من الغابات والعيش على القطاف طيلة مئات السنين هرباً من العبودية، إلى الحالة المدنية من غير تراكم إرث تاريخي في العمل الزراعي والإنتاج البسيط. ولم ينجح تشافيز لحل هذه المعدلة في تبادل التعاون مع الدول اللاتينية الكبرى عبر بناء "تكتل ألبا" الإقليمي لتوطين التعاون والثروة في القارة. ففضلت ديلما سيلفا النمو الاقتصادي في السوق الدولية والتجارة الحرة وقد يكون هذا الخيار بين أهم تراجع حزب العمال بين مجموعات "بدون أرض" وانقضاض الفاشية على البرازيل، بينما حكمت واشنطن و"إسرائيل" على رئيسة الارجنتين كريستينا دي كيرشنير بالإعدام بسبب تأييد الحق الفلسطيني على منبر الأمم المتحدة.
فنزويلا غنيّة بأرضها وثرواتها الطبيعية المتعددة وقد ضربتها العاصفة الأميركية في نقطة ضعفها المالي واعتمادها على النفط لتأليب الفئات التجارية بسبب انهيار العملة، ولتأليب السكان الذين يعتمدون في غدائهم ومعاشهم على الاستيراد بنسبة 80%. لكن الشعب في فنزويلا لا يغفر لأميركا اضطراره للهرب من الموت إلى الغابات، على الرغم من الأزمة الاقتصادية المستفحلة التي يتحمل أعبائها بشق النفس. وهذه الأزمة قابلة للحل في التعاون مع بعض الدول المصممة على دعم فنزويلا ومنع أميركا من رغبتها في تفجير الحروب وحمامات الدم بحسب وصف المندوب الروسي في الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا.
على الصعيد العسكري لا تتوفر القدرة الأميركية مع حلفائها على الغزو وإسقاط النظام في ظل تعاون الجيش الفنزويلي مع كوبا وروسيا. وعلى الصعيد الاقتصادي من الممكن تفكيك الأزمة الاقتصادية بالتعاون والمقايضة مع الدول الساعية لتسجيل فشل آخر في سجل الإدارة الأميركية التي تتخبط بأزمات الفشل في سياساتها الخارجية حتى فوق خناقها في داخل أميركا.
قاسم عز الدين – الميادين
Discussion about this post