فيما بدا أنها حرب لـ(تسديد الفواتير المستحقة) بين الولايات المتحدة وتركيا، تتواصل على الأرض حرب تصفية الحسابات بين المجموعات الإرهابية التي تستعر على وقع الاصطفافات والانزياحات التي تتباين في شدتها وقوتها بحسب التأثير والتأثر في التحولات المتدحرجة على سطح المشهد والتي بدأت تتسارع خطواتها بُعيد امتلاك دمشق لزمام المبادرة في الميدان بعد تطهير معظم الجغرافيا السورية من الإرهاب واندحار وانهيار المجاميع الإرهابية.
لكن كل هذا الصخب والضجيج لايزال يصطدم بظله نتيجة الغموض الكبير الذي لايزال يحيط بقرار الانسحاب الأميركي برغم المحاولات الاميركية لفكفكة طلاسم هذا القرار أقله أمام حلفائها وشركائها في دعم الإرهاب، خاصة النظام التركي الذي لايزال يجهد للبحث عن هوامش ومساحات جديدة للمناورة والابتزاز كجزء من المحاولات الحثيثة للبقاء على الطاولة وهذه المحاولات هي نسخة عن المحاولات الأميركية التي تسعى للبقاء في الجيوسياسة السورية ما بعد الانسحاب على الأرض.
بكافة الاحوال فإن استراتيجية ( الانسحاب الناعم ) التي تقودها الولايات المتحدة قد تستمر خلال الأيام والاسابيع المقبلة التي سوف تسبق ساعة الصفر فيما يتعلق بالانسحاب الأميركي خصوصا بين واشنطن من جهة وبين الكيان الصهيوني الذي يرفع شعار ضمانة الحماية، وبين واشنطن من جهة والتركي من جهة أخرى الذي يرفع بدوره شعار محاربة التنظيمات الإرهابية التي تهدد بلاده.
الغائب أو المغيب حتى اللحظة عن بعض أطراف الحرب على سورية – التركي أو الإسرائيلي أو حتى الخليجي برغم استدارته الواضحة – هو أن قرار الانسحاب الأميركي من سورية لم يأت من فراغ ولم يكن اختياريا كما يظن أو يتوهم البعض، او كما تحاول أن تدعي الإدارة الأميركي بأنه جاء بناء على رغبتها بعد القضاء على داعش الإرهابي الذي لايزال يعيش ويحتمي تحت عباءتها، بل جاء نتيجة الضغط المباشر عليها في الميدان بعد إخفاق واندحار وانهيار أدواتها وأذرعها الإرهابية في الميدان أمام الجيش العربي السوري، وهذه الحقيقة أي حقيقة هزيمة المشروع الأميركي في سورية هي التي سوف تشعل من حرب المقايضات والابتزاز بين تلك الأطراف، سواء تحت عناوين ثابتة وفضفاضة، أو تحت وعود وارضاءات خادعة ومزيفة قد تتبخر مع أي تحول أو متغير يظهر في الفضاء السياسي.
الاقتتال بوجهيه السياسي والعسكري قد يتصاعد خلال المرحلة المقبلة سواء بين أطراف الإرهاب، أو بين أدواتهم على الأرض وهذا كما أسلفنا بحكم التجاذبات والتقلبات التي تعتري المشهد السياسي، الامر الذي سيفتح الباب واسعا على كل الاحتمالات والفرضيات والخيارات بما فيها تلك الموضوعة على قائمة الانتظار.
كل تلك النيران المشتعلة لا تلبث أن تخبو أمام قرار الدولة السورية الواضح والصريح والحاسم بمحاربة الإرهاب حتى تطهير كامل الجغرافيا السورية من الإرهاب ومن كل من يدعمه او يحميه وهذا يشمل كل الأطراف المحتلة لمناطق جغرافية في الشمال السوري، وهذا يعني بالتالي أن كل سياسات المقايضة والاستثمار والوصاية وسد الفراغات في دماء السوريين التي يقوم بها البعض على خلفية قرار الانسحاب الأميركي وفي مقدمتهم التركي سوف تقضي نحبها مسبقا لأنها كانت ولاتزال تقوم وترتكز على الأوهام والاحلام وليس على حقائق التاريخ والجغرافيا والواقع بمعادلاته وقواعده الجديدة.
ليس بعيداً عما يحصل على الأرض فقد نفى الرئيس الأميركي دونالد ترامب وفي آخر تصريحاته الفانتازية أن يكون قد غيّر موقفه بشأن سحب قواته المحتلة من سورية، حيث قال إن انسحاب قواته المحتلة من سورية سوف يجري بكثير من الحذر وليس على وجه السرعة، مؤكداً أن قواته المحتلة ستنسحب من سورية وستعود من من حيث أتت، يأتي ذلك بعد يوم واحد فقط من إعلان مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون شروطاً جديدة للانسحاب قد تؤجله لعدة أشهر، بما فيها ضرورة موافقة تركيا على حماية الميليشيات الانفصالية المتحالفة مع الولايات المتحدة، وبين بولتون أن بلاده لن تتخلى عن استراتيجية قتال تنظيم «داعش» الإرهابي وهذا يعكس التناقض الواضح في المواقف والتصريحات الأميركية لجهة النوايا الاميركية الحقيقية وهذا ما أكدته المتحدثة باسم البيت الأبيض مرسيدس شلاب عندما أوضحت أن الانسحاب الأميركي من سورية قائم لكن بلا جدول زمني محدد وأن الرئيس ترامب لم يغير من موقفه، إلا أن هدفه الأساسي هو ضمان سلامة القوات الأميركية وسلامة حلفائها أيضا، ولذلك ستقدم وزارة الدفاع خطة عمليات لسحب القوات الأميركية وذلك سيستغرق وقتاً حسب مزاعمها، على ذات الخط، خط الزيف والخداع والتلاعب بالتصريحات فقد قال رئيس النظام التركي إن التخطيط للانسحاب الاميركي من سورية يجب ان يتم بعناية تامة متبجحا أن تركيا هي البلد الوحيد الذي يملك القوة والالتزام لأداء هذه المهمة مدعياً التزام نظامه بهزيمة داعش والجماعات الارهابية الاخرى في سورية مشيراً الى أن الانسحاب الأمريكي من سورية لن يتأخر ولن يكون بطيئاً وسيكون من 60 إلى 120 يوماً
فؤاد الوادي
Discussion about this post