خالد رزق(*)
سلسلة جديدة من الزيارات لمسؤولين أمريكيين لدول بالمنطقة بدأت السبت بجولة لمستشار الأمن القومي جون بولتون يرافقه رئيس هيئة الأركان المشتركة جوزيف دونفورد والسفير جيمس جفري مفوض وزير الخارجية لشئون سوريا شملت تركيا والكيان الصهيوني وكان عنوانها الرئيسي إجراءات ما بعد انسحاب قوات الاحتلال الأمريكي من سوريا.. والإجراءات هنا ووفق ما تم إعلانه عن تفاصيل زيارة هذا الوفد تشمل تدابير عسكرية و تفاصيل لوجستية لعملية الانسحاب وإحلال القوات المنسحبة بقوات تركية في الشمال وتنسيق عدائيات جوية مشتركة ما بين الكيان و سلاح الجو الأمريكي الذي سيبقى فاعلاً في السماء السورية وفق مقتضيات الحاجة التي يحددونها بمواجهة ما وصفوه بالوجود الإيراني الخبيث في سوريا.
ومن العاصمة الأردنية عمان بدأ الثلاثاء وزير الخارجية مايك بومبيو جولة في عدد من البلدان العربية تشمل إلى جانب مصر التي يحل بها الخميس و لمدة 3 أيام كل من السعودية والإمارات والكويت وقطر والبحرين وسلطنة عمان، ووفق تسريبات عن أغراض الزيارة فإنها تهدف إلى تنسيق المواقف بين حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة أملاً في الوصول إلى تشكيل قوة برية عربية تشارك في العمل العسكري على الأرض بديلاً عن القوات الأمريكية الجاري سحبها.
الأهداف الأمريكية المعلنة و المكتومة كلها تبدو أكثر وضوحاً إذا ما جمعنا بين جولات الوفد الأول و جولة وزير الخارجية بومبيو.. إذ تسعى إدارة الرئيس ترامب إلى تجميع كل أطراف اللعبة على الأرض السورية رغم حالة العداء القائمة بين اللاعبين من حلفائها قطر والسعودية والخليج إلا الكويت وعمان ومصر التي تجمعها وتركيا عداوة لا يمكن أن يبدلها شيء طالما بقي أردوغان وبقي حزب العدالة والتنمية إخواني المشارب في السلطة وذلك للعمل وفق خطة واحدة اشترك في وضعها الكيان الصهيوني ويلعب في تنفيذها الدور الأشد عدوانية وإن بدا منفرداً يؤدي مهمته بعيد عن السياق الجمعي للتحركات العربية والتركية.
وباستثناء الحال التركية التي تملك قدرة عسكرية تمكنها من الانخراط مباشرة و حتى دون دعم و مساندة أمريكيين في أعمال عدوانية بالشمال السوري ، يمكن التأكيد على أن أي مشاركة برية خليجية و أردنية لن تتجاوز حدود الرمزية، في حين يعول المخطط الأمريكي على مشاركة قوة برية مصرية معتبرة تعداداً تسليحاً وتتحمل نفقاتها ممالك وإمارات جزيرة العرب.
المشكلة التي تحول دون وصول المخطط الأمريكي لأهدافه هي الموقف المصري إذ لا تملك مصر الرسمية و مهما كانت طبيعة من بالحكم و توجهاته أن تدفع بقوات خارج حدودها ، في غير مهام أممية ، وفي الحال السورية يختلف الأمر كثيراً فلا يمكن لأحد كان أن يسوق على المصريين الدفع بقوات إلى البلد الذي جمعته و إياه وحدة تاريخية بعدها باقية في الوجدان الشعبي ومتجذرة في المبادئ الأصلية للمؤسسات ، من دون أن يكون البلد نفسه (سوريا) هي من تطلب وجود قوات مصرية .. وإن حدث فلن يكون أي توجد مصري سوى حليف ورديف للجيش العربي السوري.. وعلى هذا فلا أرى سورية ستطلب.
وإلى هذا أرى بأنه رغم القطيعة الرسمية ما بين مصر وإيران فمصر لا تسعى ولا تريد الانخراط في حرب بالوكالة عن أي أحد ضد إيران.. وحتى إن ظهر من التصريحات الرسمية المتكررة رفض مصر لما تعتبره وتقول دول الشرق العربي أنه تدخلات إيرانية في شؤون بلاداً عربية فالذي يدور بقلب المؤسسات لا يصل بالأمر إلى الدخول في مواجهة وطالما حافظت إيران على قواعد عدم الاعتداء على جاراتها الخليجية.
والأكثر أنه ومهما بدت مصر في تصريحات رسمييها بعيدة عن المسارات المبدئية الأصلية للأمة المصرية والتي نطمح جميعاً للعودة إليها فإن مؤسساتها بعدها تحتفظ بالعقول و الضمائر القادرة على التعاطي المجرد عند تقييم كل المواقف والأمور، وفي ذلك أعلم يقينا أن المؤسسات المصرية تدرك أن لجوء سوريا إلى الحليف الإيراني كان حتمياً ولأسباب تتصل ببقاء الدولة والوطن كله وهي ـ الأسباب ـ غير ذات صلة بالانتماء الديني كما يروج أعداء سوريا من الأعراب فالأمر نفسه حدث بلجوء سوريا إلى روسيا، وقبل كل ذلك فإن مصر التي جمعتها وسوريا وحدة هي الأكثر دراية بحقيقة التسامح الذي عاشته سوريا عبر تاريخها حتى 2011 ..
ولذلك أراهن على ثبات الموقف المبدئي المصري في العلاقة مع سوريا، والذي شهد به غير مرة الرئيس بشار الأسد الذي أكد أن العلاقة بين مؤسسات البلدين لم تقطع ليوم واحد منذ بداية الأزمة حتى في ظل خفض التمثيل الدبلوماسي بين البلدين.. فشتان بين تواجد عسكري أياً كان حجمه يكون بطلب من الشقيقة سوريا وتواجد عسكري بديل لقوات احتلال رأى قائد الحرب العدوانية على هذا البلد العزيز سحبها لسبب أو لآخر.
أما أعراب الجزيرة وحتى أشدهم فجراً و فحشاً وعدوانية " آل سعود" فهم أعجز عن إتيان أي فعل حقيقي، و هم قبل غيرهم يعرفون أن الزج بغلمانهم إلى الحرب السورية لن يحمل لهم سوى الموت السريع و المتصور أن دورهم لن يتغير عن المعتاد تمويل تسليح المرتزقة وهؤلاء أثبتت مجريات الحرب أنهم و على خستهم أوهن من أن يواجهوا من يقاتل مدفوعاً بإيمان بالوطن .
ليس أمامنا سوى انتظار مآلات الأمور بعد زيارات مندوبي السيد الأمريكي لعبيده بالمنطقة، ولكن الأكيد أنه لن يكون انتظار من يستسلم لمصير يفرضه عدو مهما بلغ جبروته، وأياً كان حجم التعاون على الإثم والعدوان بينه وبين من ينتسبون كذباً لأمتنا.
إن كل خطوة يأخذها الجيش العربي السوري نحو إعادة الانتشار وبسط نفوذ الدولة في المناطق التي يحررها وتلك التي ينسحب منها العدو تمزق صفحات من المخطط المرحلي الجديد للعدو.. ، ومن مجريات الأوضاع الميدانية على الأرض تبدو القيادة السورية أكثر وعياً بطبيعة هذه المرحلة من الحرب وأقل اهتماماً بالسياسة والمواقف الدوليين.. مشهد يؤشر لانتصار حتمي حاسم لسوريا وحلفاءها في حرب هي الأقسى والأحط في تاريخنا.
(*) نائب رئيس تحرير جريدة الأخبار (مصر) – العهد
Discussion about this post