يتلاعبون بما اسموها صفقة القرن، كطفل امتلك كرة آثر ان يخفيها عن اقرانه، لكنه يمطرهم حديثا عنها كل يوم وصفا ومديحا وتشويقا، دون ان يروها، وهم يهدفون من وراء ذلك الى ملء فراغ سياسي تعاني منه المنطقة، من خلال التلويح بتلك الصفقة التي لم يعد لها اي وجود او اهمية، بعد ان حسموا مصير القدس من طرف واحد، من غير ايلاء الفلسطينيين والعرب والمسلمين والعالم اي اهتمام، فلم يعد لصفقة القرن اية قيمة مهما حملت في طياتها من حلول مقترحة، لانهم انتزعوا قلب القضية غصبا عن اصحابها ولمصلحة العدو، الذي فضّلوه على اصحاب الحق والارض والقضية.
صفقة القرن لا تختلف عن قطعة قماش معلقة في رجل طائر، يحلق عاليا يتعذر قراءتها والاطلاع على مضمونها، رغم انها فقدت قيمتها واهميتها منذ ان اعترف الرئيس ترامب بالقدس عاصمة موحدة للاحتلال الصهيوني، ونقل سفارة بلاده اليها من تل ابيب، فقد ولدت ميّتة بلا حراك ولا روح لان القدس روح كل مبادرة سياسية او مشروع سياسي بغض النظر عن المصدر، فاذا خرجت الروح مات الجسد، وهم اخرجوا روح صفقة القرن ..القدس..قبل ان يظهر الجسد، فماتت الصفقة عمليا وفعليا وهي الان جثة هامدة، مهما حاولوا نفخ الروح فيها.
يتبادلون الغزل حولها، تارة يؤكدون قرب موعد الاعلان عنها، واخرى يحذرون من صدمة قد تحدثها للاطراف المعنية، والان قرروا تأجيل الاعلان عنها الى ما بعد اجراء انتخابات الكنيست الاسرائيلية ارضاء لصاحبهم نتنياهو، مع الانتباه الى ان الصفقة والاعلان عنها لا تتأثر بأي حدث فلسطيني او عربي او اسلامي او دولي، مثل اجراء انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني على سبيل المثال لا الحصر.
ربما تكون المرة الاولى في التاريخ التي تشكل سابقة في حل الصراعات العالمية، ان يتم فرض تطبيق بنود خطة مقترحة قبل الاعلان عنها، ومن غير بحث ومناقشة تلك البنود ومعرفة مواقف الاطراف المعنية منها، ودون اي اعتبار لرفضها او قبولها، وانما اسقطت اسقاطا لا يرتد ولا يمكن رفضه او تحويل مساره، فقد قرروا مصير القدس واللاجئين على مزاجهم ووفقا لرغباتهم ومصالحهم، واغلقوا مكاتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، وقطعوا المساعدات المالية عن الاونروا والشعب الفلسطيني، وأيدوا يهودية الدولة الصهيونية المحتلة احادية القومية ودعموها، وهم الان في المراحل النهائية لمخططهم الذي يهدف الى تصفية القضية الفلسطينية بالكامل ان استطاعوا.
لم تعد هناك حاجة للاعلان عن صفقة القرن، لا بعد انتخابات الكنيست ولا قبلها، ولا في اي وقت، لسببين رئيسين، الاول انها مرفوضة بالمطلق فلسطينيا وعربيا، والسبب الثاني انه تم تطبيق اهم واخطر بنودها عنوة وبالقوة من جانب واحد، واذا اصرّوا على استكمال تطبيق بنودها، فليفعلوا ذلك لوحدهم وعلى طريقتهم، لان الصفقة افرغت ولا تعني احد.
كمال زكارنة – الدستور الأردنية
Discussion about this post