لا يزال الغموض يلف الانسحاب الأميركي من سورية رغم ما رافقه من استقالات في مفاصل الإدارة الأميركية، وتصريحات اعترفت بانتصار الدولة السورية ما يؤكد صوابية السياسة والاستراتيجية السورية وقدرتها على اجتراح النصر رغم تكالب محور العدوان لسنين ثماني للنيل من قدرات سورية على الصمود والتصدي ومراهناتهم العقيمة على استنزاف وإنهاك الجيش العربي السوري،
فسورية التي حسمت أمرها منذ البدء على التخلص من الإرهاب من كل شبر من أراضيها لم تتوقف يوماً عن الحلول والمبادرات السياسية التي بدأت تثمر وتعطي نتائج تصب في مصلحة الثبات السوري على الحقوق الشرعية وأهمها دحر الإرهاب وصون وحدة الاراضي السورية، رغم أن الكثير من المحللين ووسائل إعلام غربية وإقليمية تحدثت عن صفقة أمريكية تركية تخلت فيها واشنطن عن أدواتها من ميليشيات الانفصال وتركتهم في مهب الريح العدوانية التركية الأمر الذي بدا جلياً بترجمة الإعلان الأمريكي بسحب قواتهم المحتلة بمزيد من التحركات العدوانية شرق الفرات من قبل نظام أردوغان.
بالمقابل لاتزال أصداء الانسحاب البطيء- السريع في آن معاً لهذه القوات المحتلة يجول بين الساحات الدولية خاصة بعد فترة من المماطلة الأمريكية، وفجأة خرج أحمق البيت الأبيض ليوجه الحديث لنظيره التركي «أنا سأغادر… سورية لك» وفق تسريبات إعلامية أميركية، الأمر الذي عكس تصوراً أولياً عن المسار المرتقب في شمال شرق سورية خلال الأشهر المقبلة، وهو ما أكدته شبكة «سي ان ان « الأمريكية حيث نشرت مقتطفات من مكالمة هاتفية دارت بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ورئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان، وأكد ترامب أن القوات الأمريكية المحتلة سوف تغادر الأراضي السورية، موضحاً أن تركيا ستتولى مهمة القضاء المزعوم على ما تبقى من تنظيم «داعش» هناك.
إلا أن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، وجد أن حل مشكلة الوجود المسلح الأمريكي غير المشروع في سورية لن يكون سهلاً، كون واشنطن لا تزال تطرح باستمرار شروطاً جديدة تنتهك سيادة واستقلال ووحدة وسلامة أراضي سورية، على الرغم من أن هذه المبادئ مثبتة في القرارات الرئيسية لمجلس الأمن الدولي، منوهاً بضرورة انتظار ما إذا كان الأميركيون سينفذون ما وعد به الرئيس ترامب حول مغادرة الأراضي السورية، على اعتبار أن السياسة الأميركية معروفة بتلونها وخداعها وتقلبها على المواقف.
فيما وضع قرار الانسحاب الأخير للقوات الأمركية الموالية «لإسرائيل» في مأزق، وهو ما أكده موقع «تايمز أوف إسرائيل»، حيث كتب الموقع أن قرار ترامب سحب قوات بلاده من سورية أثار قلقاً في وسط الجماعات الأمريكية المؤيدة لإسرائيل، وهذا ما تكشفه تعليقات بعض منظمات اللوبي الصهيوني، التي طالما تجنبت الصدام مع البيت الأبيض، وكانت مواقفها السياسية بشكل عام مسايرة للإدارة، وأصدرت لجنة الشؤون العامة الأمريكية الصهيونية (إيباك) الأسبوع الماضي بياناً يشير إلى عدم موافقتها مع البيت الأبيض على القرار الأمريكي بسحب القوات الأمريكية المحتلة من سورية.
هذه المواقف تتناغم إلى حدّ بعيد مع ما يشعر به الكيان الصهيوني إزاء «انقلاب» ترامب السوري، حيث فضلت حكومة الاحتلال تجنب انتقاد ترامب علناً، لكن أصواتاً كثيرة لمّحت إلى تذمر إسرائيل من هذه الخطوة، التي وصفت بـ»الضربة» بل حتى بـ»الخيانة» للحليف القديم.
رغم أن «إسرائيل» لم تعلّق كثيراً على الانسحاب الأمريكي من سورية، إلا أن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو زعم أنه مستاء في الآونة الأخيرة، لإحساسه بالفشل فيما أسماه «تقسيم الأراضي السورية»، وهو ما جاء على لسان وزير خارجية النظام التركي مولود تشاووش أوغلو، والذي تبجح بالقول متناسياً جرائم نظامه وعدوانه هو الآخر قائلاً إن السمة المشتركة بين بنيامين نتنياهو ومنظمة «بي كا كا» هي قتل الأطفال.
وعليه تزداد الأصوات «الاسرائيلية» الممتعضة من القرار الأمريكي الأخير، حيث دعا وزير المواصلات والاستخبارات في كيان الاحتلال «إسرائيل كاتس» للتعويض عن خسارتهم من الانسحاب الصادم، وعليه طلب من إدارة ترامب الاعتراف بسيادة مزعومة للكيان المحتل في هضبة الجولان العربيّة السوريّة المُحتلّة، وذلك كتعويض على سحب قوات الاحتلال الأمريكيّ من سوريّة، على حدّ تعبيره، والتي أدت إلى ضعف «إسرائيل».
«ديلي تليغراف»: ترامب يطيح بـ «ماتيس» مبكراً
تبعات الانسحاب تركت صداها أيضاً على البيت الأمريكي، حيث تناولت بعض الصحف الغربية أهم هذه الآثار، ونشرت صحيفة الديلي تليغراف تغطيتها لتبعات هذا القرار، مشيرة إلى أن ترامب قرّر إجبار وزير الحرب السابق جيمس ماتيس على ترك منصبه مبكراً بتعيين خلف له، خاصة أن ماتيس كان من المفترض أن يغادر منصبه بعد نحو شهرين لكن ترامب أعلن تعيين باتريك شاناهان وزيراً للدفاع ما يعني أن ماتيس قد ترك المنصب مبكراً.
وأشارت الصحيفة أن القرار يأتي كنوع من العقاب لماتيس على الحيثيات التي سجلها في خطاب استقالته والخلاف الذي وثقه بينه وبين ترامب حول السياسات الخارجية للبيت الأبيض وانتقاده القرار الأخير بسحب القوات الأمريكية المحتلة من سورية، فيما نقلت الصحيفة عن مصادر رفيعة في البيت الأبيض أن ترامب شعر بالانزعاج من الصدى الكبير الذي لقيته انتقادات ماتيس لسياسات البيت الأبيض، لذا أراد أن ينهي حالة الجدل حول قراره بإبعاد ماتيس عن منصبه مبكراً.
تأتي هذه التطورات اللافتة بالتزامن مع تعزيز الجيش التركي المحتل قواته في عدد من الولايات قرب الحدود السورية، وبينما عبّرت أنقرة عن ارتياحها لمجريات الأمور وفق التوجه الأميركي الجديد.
وبنفس الاتجاه كشف تقرير إخباري حديث أن إحدى التنظيمات الإرهابية الرافضة للمصالحة، تجري تحضيرات لنقلها مع عائلاتهم إلى الشمال البلاد وأفادت بعض التنسيقيات التابعة للتنظيمات الإرهابية: أن ما تسمى «قوات مغاوير الثورة» في منطقة التنف، والمدعومة مما يسمى»التحالف الدولي» الذي تقوده واشنطن، تجري تحضيرات لنقلها إلى الشمال السوري، مع عائلاتهم وإرهابيين رافضين للمصالحة والتسوية مع الدولة السورية.
وأكدت المصادر أن التحضيرات تجري لنقل الآلاف من الإرهابيين المدعومين أميركياً نحو الشمال السوري بعد معلومات عن إبلاغ ورد للمجموعات المدعومة من «التحالف» والموجودة في التنف، على الحدود السورية العراقية، ضمن البادية السورية وفي «مخيم الركبان» للنازحين، والذي يضم أكثر من 60 ألف نازح (بينهم عائلات الإرهابيين)، بالتحضر لنقلهم نحو الشمال السوري، بسبب عزم الولايات المتحدة الأميركية سحب قواتها المحتلة من المنطقة ومن شرق الفرات.
الثورة – رصد وتحليل
Discussion about this post