على أصداء الرد الإيراني وتداعياته المحتملة، استنفرت الأروقة السياسية والدبلوماسية الدولية، كما كانت مستنفرة قواعدها وسفنها وطائراتها الحربية دفاعاً عن إسرائيل، لكن واشنطن أكدت ضرورة الحفاظ على التكتيك السياسي لضبط إيقاع التصعيد ومنع انفلات الأوضاع وتدحرجها نحو حرب إقليمية كبرى، لينتهي القرار لدى قادة تل أبيب على «انتظار الزمان والمكان المناسبين للرد على الرد بعدما تمكنت مسيرات وصواريخ طهران «المحسوبة بدقة» من رسم معادلات جديدة وكسر هيبة القوة الزائفة لإسرائيل وتقديم أنموذج لما قد يحصل في حال أصر العدو على مواصلة الاستفزازات وخرق القوانين الدولية، والمضي بالمنطقة نحو خيارات لا تريدها حتى حليفته أميركا.
إيران التي أعلنت انتهاء عملية «الرد المشروع» والمدروس على استهداف قنصليتها في دمشق، حذّرت إسرائيل وحليفتها الولايات المتحدة، من رد أقوى وأكثر حزماً إذا تعرضت لهجوم مضاد، وحذّر الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي من أن أي رد «متهور» لإسرائيل سيستدعي «رداً أقوى وأكثر حزماً». وقال رئيسي، في بيان: «نال المعتدي عقابه»، مضيفاً: «إذا قام النظام الصهيوني أو داعموه بأي تصرف متهوّر، فسيتلقون ردّاً أقوى وأكثر حزماً».
من جهته وضع الحرس الثوري الإيراني العملية التي قام بها بأنها تأتي في إطار الدفاع عن النفس، وأكد في بيان له أن أي نوع من تهديد أميركي وإسرائيلي من أي مصدر كان، سيلقى الرد المناسب من إيران.
من جهته أكد قائد الحرس الثوري حسين سلامي أن إيران كانت قادرة على شنّ هجوم أكبر، وقال: «جعلنا هذه العملية تقتصر على المنشآت التي استخدمها النظام الصهيوني لمهاجمة سفارتنا في سورية، وأضاف: «نسعى وراء إقامة معادلة جديدة ومن الآن فصاعداً إذا تعرضت مصالحنا وممتلكاتنا ومسؤولينا ومواطنونا لهجوم، فسنهاجمهم من أراضينا».
بدوره اعتبر مساعد الشؤون السياسية بمكتب الرئيس الإيراني محمد جمشيدي أن ما جرى هو «نهاية عصر الصبر الاستراتيجي، فقد تغيرت المعادلة الاستراتيجية». وأضاف: «استهداف القوات والأموال الإيرانية سيقابَل برد مباشر»، وتابع: «أفشلت إيران استراتيجية الحرب بين الحروب».
وبالتوازي مع إعلان بعثة إيران الدائمة لدى الأمم المتحدة بأن العمل العسكري الإيراني يستند إلى المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة فيما يتعلق بالدفاع المشروع رداً على عدوان الكيان الصهيوني على منشآتها الدبلوماسية في دمشق، كشف وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، خلال اجتماعه بسفراء أجانب أن بلاده أبلغت الولايات المتحدة بأن هجماتها ضد إسرائيل ستكون محدودة وللدفاع عن النفس، وقال: إن طهران أخطرت جيرانها قبل 72 ساعة من الهجمات، مضيفاً: «كنا دقيقين جداً في الرد على إسرائيل، ولا نبحث عن استهداف الأميركيين ولا القواعد الأميركية في المنطقة، لكن إذا تم استهدافنا من القواعد الأميركية في دول المنطقة سنكون مضطرين لاستهدافها».
التحذيرات الإيرانية المتتابعة من مغبة ارتكاب العدو لأي خطأ عسكري جديد، جاءت تعقيباً على تصريحات إسرائيلية رسمية أكدت جميعها المضي في خيار الرد على الرد الإيراني، ونقلت قناة CNN عن مسؤولين إسرائيليين قولهم إن تل أبيب عازمة على الرد لكن لم يتقرر بعد نطاقه وتوقيته، وكشفت تصريحات المسؤولين الإسرائيليين بأن اجتماع مجلس وزراء الحرب انتهى من دون اتخاذ قرار بشأن كيفية الرد على الهجوم الإيراني.
بالمقابل بدت التحركات الأميركية أكثر صرامة تجاه احتواء وضبط مآلات التصعيد في المنطقة، وصرح المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي، جون كيربي، لشبكة «إن بي سي» بالقول: «لا نريد أن نرى تصعيداً في الوضع، ولا نسعى إلى حرب أكثر اتساعاً مع إيران».
إلى ذلك تباينت ردود الفعل حيال الرد الإيراني الذي استهدف مواقع عسكرية داخل الكيان الإسرائيلي، وأعربت سورية عن تضامنها مع إيران، وشددت على أن ضربات طهران لأهداف عسكرية إسرائيلية جاءت في إطار ممارسة حقها في الدفاع عن النفس، فيما استنكر وزير الخارجية والمغتربين فيصل المقداد خلال اتصال هاتفي مع نظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان المواقف الغربية المتخاذلة عما يقوم به الكيان الإسرائيلي من جرائم ضد الإنسانية. معتبراً أن ما قامت به إيران هو الرد المناسب على الكيان الصهيوني، وحق مشروع لها في الدفاع عن النفس ضد هذا الكيان العنصري الصهيوني الذي لم يحترم القانون الدولي ولا الإرادة الدولية ولا ميثاق الأمم المتحدة.
من جهتها أعربت روسيا والصين عن القلق البالغ إزاء التصعيد الخطير في الشرق الأوسط ودعتا جميع الأطراف إلى التحلي بالهدوء وضمان الاستقرار في المنطقة، في حين دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش «جميع الأطراف» إلى «ضبط النفس».