استقبل الرئيس الأمريكي “جو بايدن” يوم 11 أبريل 2024، رئيس الوزراء الياباني “فيوميو كيشيدا” بجانب الرئيس الفلبيني “فرديناند ماركوس جونيور”، بالبيت الأبيض؛ وذلك لمناقشة عدد من التطورات الخاصة بالمنطقة. ويأتي هذا الاجتماعي الثلاثي التاريخي للتركيز على مواجهة الضغط الصيني في بحرَي الصين الجنوبي والشرقي؛ وذلك في وسط قلق متزايد بشأن الأعمال العسكرية الصينية في المنطقة، وكذلك في ضوء تحركات واشنطن لتعزيز حضورها في منطقة الهندوباسيفيك والضغط على النفوذ الأمريكي هناك.
مخرجات رئيسية
أصدرت الدول الثلاث بياناً مشتركاً تضمن تأكيد التنسيق فيما بينها لمواجهة التحركات الصينية في منطقة الهندوباسيفيك. وقد تمثلت أبرز مخرجات القمة في الآتي:
1– إدانة مشتركة للتحركات الصينية في بحر الصين الجنوبي: أصدرت الدول الثلاث بياناً مشتركاً وصفت فيه التدريبات العسكرية الصينية في جنوب بحر الصين بالتصرف الخطير، كما أعلنت عن بدء تسيير دوريات مشتركة في المحيطين الهادئ والهندي خلال العام الجاري.
2– تحذير أمريكي بإمكانية تفعيل اتفاقية الدفاع المشتركة بين واشنطن ومانيلا: أكد الرئيس الأمريكي”بايدن”، على هامش القمة الثلاثية، أن التزام الولايات المتحدة الدفاعي تجاه الحلفاء في المحيط الهادئ هو أمر دائم ولا يتغير، كما تعهد الرئيس “بايدن” بالدفاع عن الفلبين إذا تعرضت لهجوم بحري في بحر الصيني الجنوبي، وأكد أن أي هجوم على طائرة أو سفينة حربية تابعة للقوات المسلحة الفلبينية، سيدفع إلى تفعيل العمل بمعاهدة الدفاع المشترك التي تربط واشنطن ومانيلا، والتي يتم العمل بها منذ سبعين عاماً. وقد عززت الولايات المتحدة على مدى السنوات الماضية من وجودها في الفلبين؛ حيث باتت تمتلك القدرة على الدخول في أربع قواعد عسكرية جديدة في الفلبين، ليصل بذلك المجموع الكلي للقواعد الأمريكية عبر الأراضي الفلبينية إلى تسع قواعد أمريكية.
3– ترقية اتفاقية التعاون العسكري اليابانية الأمريكية المشتركة: أعلن كل من “كيشيدا” و”بايدن”، خلال اللقاء الثنائي الذي جمعهما على هامش القمة الثلاثية، عن أكبر ترقية للتحالف الأمني بين اليابان والولايات المتحدة منذ أكثر من 60 عاماً، وهي الترقية التي تضمن التنسيق بين القيادات العسكرية لدى البلدين، والتطوير المشترك للتقنيات العسكرية المتقدمة. تشمل الخطة أيضاً إعادة هيكلة القيادة العسكرية الأمريكية في اليابان لتعزيز التخطيط العملياتي والتدريبات وقواعد الاتصال فيما بين البلدين.
4– تأكيد ياباني بالمساهمة في عملية حفظ الأمن بالمنطقة: كشف رئيس الوزراء الياباني، على هامش القمة، عن تحديث تاريخي في العلاقات الدفاعية بين اليابان والولايات المتحدة، كما حذر “كيشيدا”، في كلمة أمام الكونجرس الأمريكي، من أخطار الصعود الصيني، قائلاً إن اليابان التي تم تجريدها من حقها في بناء قوة عسكرية بعد الحرب العالمية الثانية، ما زالت مصممة على بذل مزيد من الجهد لتقاسم المسؤولية مع حليفتها الولايات المتحدة. أشار “كيشيدا” أيضاً إلى الاتفاق الذي توصلت إليه واشنطن وطوكيو خلال وقت سابق من العام الماضي، الذي ينص على بناء قاعدة في جزيرة غير مأهولة بالسكان في محافظة “كاجوشيما”، جنوب غرب البلاد؛ وذلك من أجل نقل التدريبات العسكرية الأمريكية إلى هناك واستقبال حاملات الطائرات الأمريكية.
5– تضمين اليابان في تحالف الإنتاج العسكري المشترك بقيادة الولايات المتحدة: شهدت القمة أيضاً الكشف عن خطط للإنتاج المشترك للمعدات العسكرية، وإنشاء شبكة متكاملة للدفاع الجوي والصاروخي بجانب أستراليا، ودمج اليابان في تحالف يضم كلاً من أستراليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة للتعاون التكنولوجي المشترك في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي وأنظمة القيادة الذاتية.
6– طرح خطط جديدة لتعزيز التعاون الاقتصادي بين الدول الثلاثة: بجانب تأكيد الرئيس “بايدن”، خلال القمة، التزام الولايات المتحدة الصارم بالدفاع عن اليابان والفلبين ضد أي هجوم يهدد سيادتهما في المنطقة، ناقش أيضاً سبل مساعدة الحكومة الأمريكية للفلبين على تطوير المجالات الاقتصادية الرئيسية، مثل توريد أشباه المواصلات والاتصالات، والبنية التحتية الحيوية بما في ذلك الموانئ والسكك الحديدية والزراعية، كما أعلن “بايدن” أن الدول الثلاث سوف تطلق ممراً اقتصادياً جديداً في الفلبين كجزء من شراكة مجموعة السبع للاستثمار في البنية التحتية العالمية التي من شأنها أن تساعد في تطوير الطاقة النظيفة والموانئ الزراعية وغير ذلك من المشاريع في البلاد.
7– ترحيب “بايدن” بالمحادثات المتوقعة بين اليابان وكوريا الشمالية: أعلن الرئيس الأمريكي “بايدن” أن واشنطن ترحب بأي محاولة تقودها اليابان لفتح حوار مشترك مع كوريا الشمالية. وأوضح الرئيس “بايدن” في تعقيبه أيضاً على هذا الملف، أن الولايات المتحدة كانت على علم بهذه الخطوة مسبقاً، وهو ما قد يشير إلى أن واشنطن تدفع اليابان لإدارة هذا الملف، ولا تتوقف عند التعبير عن الموافقة والتضامن مع هذه الخطوة، خاصة مع قوله إن واشنطن منفتحة أيضاً على الحوار مع بيونج يانج، بشرط عدم وضع قيود مسبقة لبدء هذا الحوار.
دلالات رئيسية
ترسل هذه القمة العديد من الرسائل يمكن تلخيص أبرزها في:
1– تأكيد وحدة حلفاء واشنطن في ملف بحر الصين الجنوبي: سعى الاجتماع الثلاثي في البيت الأبيض أيضاً إلى إظهار الوحدة في مواجهة الضغوط الصينية المتزايدة على مانيلا في بحر الصين الجنوبي، خاصة مع دخول الفلبين، خلال الأشهر الماضية، في مناوشات متكررة وعدائية مع خفر السواحل الصيني، الذي يسعى إلى منع مانيلا من ممارسة نفوذها وسيادتها على عدد من الجزر والشعب المرجانية القائمة في مياهها الإقليمية ببحر الصين الجنوبي. وقد لجأت الصين إلى فتح خراطيم المياه على السفن الفلبينية الموجودة في المنطقة.
وقد وقعت أخطر هذه المواجهات في 16 مارس 2024، عندما اصطدمت سفينتان صينيتان تابعتان لخفر السواحل، بقارب إمداد تديره البحرية الفلبينية، وأطلقتا عليه خراطيم المياه بالقرب من جزيرة توماس شول الثانية المتنازع عليها ببحر الصين الجنوبي، التي تقع على بعد 200 ميل من الفلبين. وقد اتهمت بكين البحرية الفلبينية باختراق المياه الإقليمية الصينية في بحر الصين الجنوبي، وفي الوقت نفسه رفضت الفلبين هذه الادعاءات. وقد توالت ردود الفعل الدولية على هذه الحادثة؛ حيث أعربت العديد من الدول، بقيادة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان وأستراليا، عن دعمها للفلبين وسيادة القانون.
2– زيادة الوجود العسكري الأمريكي في الهندوباسيفيك: صرَّح الرئيس الفلبيني “فرديناند ماركوس” بأن اتفاق التعاون بين الفلبين والولايات المتحدة واليابان سيغير الآليات في بحر الصين الجنوبي والمنطقة. وأضاف “ماركوس”، في حديثه الصحفي، أن الاتفاق الثلاثي مهم للغاية؛ حيث يتوقع أن يعمل على تغيير آليات العمل والتنسيق فيما بين دول رابطة دول جنوب شرق آسيا، آخذاً في الاعتبار السلوك العدواني والخطير الذي تنتهجه الصين هناك.
وتؤكد هذه التصريحات، بجانب اتفاقيات التعاون الدفاعي فيما بين واشنطن وطوكيو ومانيلا، سعي الولايات المتحدة بوجه عام إلى زيادة وجودها العسكري في المنطقة. وتضاف هذه القمة إلى الاتفاق السابق الذي عقدته الولايات المتحدة مع أستراليا وبريطانيا المعروف باسم اتفاق “أوكوس” الذي يجري من خلاله تزويد كانبرا بغواصات نووية، كما تطور واشنطن حواراً أمنياً رباعياً تحت اسم “كواد” يضم كانبرا وطوكيو ونيودلهي. ويعد هدف المجموعتين ضمان الأمن في منطقة آسيا والمحيط الهادئ بشكل يشمل المواجهة المشتركة للتوسع الصيني، كما تسعى واشنطن إلى بناء العديد من القوات العسكرية التي تضمن تعزيز وجودها العسكري ومواجهة بكين في المنطقة.
3– رفض صيني للغة الخطاب المتبناة من قبل القمة: من جهتها، عبَّرت الصين عن استيائها من هذه القمة، واعتبرتها موجهة لتشويه بكين، والتدخل في شؤون الصين الداخلية. وقالت المتحدثة باسم الخارجية الصينية “ماو نينج إن”، رداً على تصريحات الرئيس الأمريكي، إن أنشطة بلادها في بحر شرق الصين وبحر جنوب الصين، تتماشى بالكامل مع القانون الدولي، وأضافت أن بلادها مستعدة لحل المشاكل عن طريق الحوار والتشاور. واستدعت بكين، تزامناً مع انعقاد القمة في 11 أبريل، سفير مانيلا لدى بكين، ومسؤولاً بالسفارة اليابانية للاعتراض على ما وصفته وزارة خارجيتها بالتعليقات السلبية الموجهة من مسؤولي البلدين ضد الصين خلال انعقاد أعمال القمة.
4– اتهام بكين واشنطن بتهديد الأمن والاستقرار بالهندوباسيفيك: اتهمت المتحدثة الرسمية باسم الخارجية الصينية، الولايات المتحدة واليابان بتصعيد التوترات في المنطقة، كما قال المتحدث باسم وزارة الدفاع الصينية “وو تيشان” إن نية الولايات المتحدة نشر صواريخ متوسطة المدى في منطقة آسيا والمحيط الهادي، توجه خطير ستُعارِضه الصين بحزم، كما أنه يهدد بشكل خطير السلام والاستقرار الإقليميين.
وقد جاءت هذه الإدانة عقب تصريح المتحدث باسم قيادة الجيش الأمريكي في المحيط الهادئ، في العاشر من أبريل، باعتزام بلاده نشر صواريخ متوسطة المدى في منطقة الهندوباسيفيك؛ وذلك دون تحديد هوية الدولة التي ستستضيف الصواريخ. واعتبر وزير الخارجية الصيني أن الخطوات التي تتخذها واشنطن حالياً في منطقة الهندوباسيفيك، ستُغرِق المنطقة بأكملها في دوامة من الصراعات اللامتناهية، وشدد على أن منطقة آسيا والمحيط الهادي تحتاج إلى تعاون مفتوح وشامل، لا إلى تكتلات وتجمعات صغيرة، وأكد أن بلاده لن تسمح بتكرار ما حصل من مآسٍ في الحربين العالميتين.
5– تحركات واشنطن المكثفة لتطويق الصين: تسعى إدارة “بايدن” من خلال سياساتها الحالية إلى فرض نوع من التطويق على بكين، واتخاذ جميع الخطوات اللازمة لذلك، بما فيها إعادة خطوات الحوار، والاتصال بالنظام في كوريا الشمالية عبر بوابة اليابان. ويمثل هذا الملف تحولاً هاماً في سياسة إدارة “بايدن” تجاه بيونج يانج، التي كانت تنتقد دائماً انفتاح “ترامب” على الحوار مع كوريا الشمالية.
أخيراً، يمكن القول إن هذه القمة تعد جزءاً من جهود الولايات المتحدة للتعاطي مع التهديد الصيني في منطقة الهندوباسيفيك. وهو الأمر الذي تنظر إليه الصين بقدر كبير من القلق والتخوف؛ حيث تعتبره بمنزلة تحركات مشابهة، تهدف واشنطن من خلالها إلى تطويق بكين آسيوياً؛ وذلك على غرار هدفها الرامي إلى تطويق روسيا في أوروبا، بما قد يدفع بكين في النهاية إلى الكشف عن المزيد من المبادرات للتعاون مع دول المنطقة؛ هذا بجانب تعزيز تحالفها مع روسيا، واتخاذ سياسات أكثر تشدداً تجاه الدول المتعاونة مع الولايات المتحدة.