بعد أكثر من 190 يوماً على طوفان الأقصى والعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، لم يعد من المنطقي حصر المعطى الميداني الذي فرضته قوى المقاومة ضمن إطار الإسناد المجرد لجبهة المقاومة في غزة، بحيث من الممكن محاولة استنباط تقويم لحالة المواجهة المفتوحة مع الكيان الإسرائيلي.
فالمتغير، الذي فرضته جبهات المقاومة لناحية وحدة ساحاتها وإصرارها على التكاتف والتضامن فيما بينها، على رغم الأثمان التي قد تُفرض، معطوفاً على خروج الجمهورية الإسلامية من دائرة الدعم والتأييد إلى مرحلة المواجهة المفتوحة والمباشرة مع الكيان، أمرٌ يفتح الآفاق على محاولة رسم السيناريو الذي قد ينفذ في لحظة المعركة الحاسمة مع الكيان.
في هذا الإطار، تُفترض الإشارة إلى أن مرحلة طوفان الأقصى أظهرت حقيقة حجم القدرات الإسرائيلية لناحية التطور، تقنياً وتسليحياً، بالإضافة إلى امتلاك “إسرائيل” القدرة على تجييش بيئتها الداخلية لخوض حرب طويلة محفوفة بنسب مخاطر مرتفعة من دون أن ننسى نجاحاتها في تطويع عدد من دول المنطقة، استناداً إلى مسار التطبيع الذي سلكته أغلبية دول الطوق، بالإضافة إلى عدد من الدول الخليجية والإقليمية.
أمّا على المستوى الدولي، فظهر واضحاً مدى الالتزام الغربي، أميركياً وبريطانياً وفرنسياً تحديداً، بشأن تحضير الأرضية، سياسياً وأمنياً وعسكرياً، لضمان تحقيق الكيان أهدافه على رغم ما يمكن أن يظهر من تباين شكلي بشأن مستوى الأساليب أو الوسائل المعتمدة.
وعليه، يمكن من خلال ما تقدم تحديد معالم الصراع القائم في المنطقة، بحيث يظهر الدعم الغربي للكيان، بالإضافة إلى الالتزام الإقليمي بشأن محدِّدات أمنه ومخططاته، أمراً ثابتاً أمكن لمسه في فترة ما قبل الحدث الآني في مواجهة تحول أظهرت تطبيقاته العملية ظروف المعركة الحالية ومعطياتها.
كان مبدأ وحدة الساحات في المرحلة السابقة مجرد إطار نظري لا يملك آلية تدلل على مدى قدرة جبهات المقاومة على تطبيقه.
بالعودة إلى ظروف المواجهات السابقة، التي خاضتها قوى المقامة في مواجهة الكيان الإسرائيلي، كان واضحاً بما لا يحتمل أي نقاش أن المواجهة لم تخرج عن إطار الحرب بين طرفين من دون أي تدخل من الجبهات الأخرى.
وللتدليل، يمكن عرض نماذج المواجهات السابقة التي خاضها الجهاد الإسلامي، أو حركة المقاومة الإسلامية، حماس، أو حزب الله، ضد الكيان في الأعوام السابقة.
من جهة أخرى، لم يخرج السلوك الإيراني منذ انتصار الثورة الإيرانية، ذات التوجه الأيديولوجي المعادي للكيان، عن وظيفة الداعم والممول لحركات المقاومة من دون أن ينغمس في إطار مواجهته المفتوحة مع الكيان إلى مواجهة مباشرة في الميدان.
على الرغم من المعركة الأمنية المفتوحة، والتي امتدت من حرب الاغتيالات، إلى الهجمات السيبرانية، إلى محاولة تطويق كل طرف للطرف الآخر، فإن الجانب الإيراني واجه النشاط الإسرائيلي الذي هدف إلى عزل الجمهورية الإسلامية ومحاولة إضعافها وإسقاط نظامها، من خلال تحريض الولايات المتحدة والقوى الغربية وبعض الدول الإقليمية والعربية على حصارها وفرض حظر شامل عليها، والدفع إلى تشكيل تحالفات هدفها شن حرب عليها، عبر محاولة التدعيم والتكريس لأطر تحالف بين قوى المقاومة المجمعة على محاربة الكيان، وفق أطر أيديولوجية تخطت التباين العقائدي لتلك القوى، وأمكن تسييلها كسلاح شكل لدى الكيان الإسرائيلي خطراً يهدد مستقبله، بحيث ألزمته تلك الأطر بالعودة إلى مربع البحث في كيفية البحث عن الوسائل التي قد تضمن له عدم زواله.
فبعد أن استطاع الكيان أن يفرض نهائية وجوده من خلال تمكنه من تكريس فكرة عدم قدرة الجيوش العربية على هزيمته واستسلام الأنظمة العربية لنهائية وجوده وضرورة التطبيع معه اتقاءً لخطره، ظهرت قوى المقاومة في مرحلة لاحقة لتُخرج معيار موازين القوى المائلة له من المعادلة، ولتفرض عليه مرحلة معقدة عنوانها صراع أيديولوجي تحكمه الإرادة والعقيدة.
وعليه، يمكن عدُّ طوفان الأقصى وتداعياته لناحية جبهات الإسناد، بالإضافة إلى الهجوم الإيراني الذي تم تحديد عنوانه بالرد على استهداف القنصلية الإيرانية، بما يعني محدوديته لناحية مدته الزمنية والمواقع المستهدفة، نموذجاً عما يمكن أن يواجهه الكيان في المراحل اللاحقة.
في هذا الإطار، تُفترض الإشارة إلى محدودية القدرات المستخدمة مقارنة بما تملكه قوى المقاومة. فعلى الرغم من أن قرار الإسناد المتواصل، والذي لم يتوقف، وتجلى استهدافاً متواصلاً على مدى أكثر من ستة أشهر للكيان الإسرائيلي، بجيشه ومصالحه وخطوط إمداده وسلاسل توريده، كان يفترض الزج بكل إمكانات المحور، نظراً إلى حجم العدوان ووحشيته على قطاع غزة، لكن حرص قادة المحور، في أكثر من مناسبة، على تأكيد عدم استخدام كل إمكاناتهم. وأشاروا دائماً إلى امتلاكهم قدرات نوعية وكمية تضمن لهم الارتقاء إلى مستويات أعلى في المواجهة، وفي أكثر من جبهة، على نحو يُقرأ تهديداً مبطناً للقوات الأميركية الموجودة في المنطقة.
القدرات الصاروخية، التي تمتلكها المقاومة في لبنان، تتخطى بمئات المرات، من حيث نوعيتها وعددها، ما تم إطلاقه على شمالي فلسطين المحتلة. وبطبيعة الحال، أثبت أنصار الله والحشد الشعبي أن التصعيد في جبهتيهما لا تحكمه الإمكانات، وإنما يحكمه فقط اتخاذ قرار.
بالتوازي، جاء الرد الإيراني، المحدود في توصيفه، ليزيد في الواقع الإسرائيلي تعقيداً يتعلق بصعوبة الاستحقاق الذي تتخطى حدوده ساحة مقاومة معزولة، كما حال قطاع غزة.
فعلى الرغم من استخدام عدد ضئيل من الطائرات المسيَّرة والصواريخ الباليستية العادية، والتي لا تقارن بما تمتلكه الجمهورية الإسلامية، كماً ونوعاً، فإن الكيان الإسرائيلي أظهر عجزاً عن مواجهة تهديدها وحده، بحيث شاركت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، بالإضافة إلى الأردن، من دون أن نهمل إمكان المشاركة الضمنية لبعض الدول العربية، في صد الهجوم، من دون أن تنجح في تحييد عدد من الصواريخ التي طالت أهدافها العسكرية، الأمر الذي يعني تحييدها البنى التحتية المدنية وتجمعات المستوطنين.
إذا تخطينا النقاش بشأن مدى تمكن الكيان من صد الهجوم الإيراني، فإن الواقع الميداني أثبت صعوبة مواجهة الكيان خطر هجمات متكررة تمتد أياماً وأسابيع.
وإذا ربطنا هذا الواقع بالتهديدات الإيرانية، التي تم توجيهها إلى الولايات المتحدة إذا ساعدت أي رد إسرائيلي على الرد الإيراني، معطوفاً على التهديدات الصريحة والواضحة باستهداف أي دولة تفتح مجالها الجوي لأي طائرة أميركية أو إسرائيلية تنوي التوجه نحو الأراضي الإيرانية، فيمكن تحديد أول معالم المواجهة الكبرى مع الكيان من خلال محاولة عزله تحت طائلة تعرّض من يدعمه أو يساعده لخطر صواريخ المحور ومسيراته.
وإذا عدَدْنا أن محاولة عزل الكيان هي المنطلق الأساسي لأي مواجهة شاملة، فإن ارتقاء مستوى الأسلحة المستخدمة، لناحية العدد والقدرات التدميرية، سيشكل معلماً أساسياً آخر لهذه المواجهة، بحيث إن كثافة النيران واستمرارها، فترات زمنية طويلة، وبصورة متواصلة، ستلغي أي تأثير لمنظومات الدفاع الجوي المحكومة لعدد محدد من الصواريخ الباهظة الثمن.
في هذا الإطار، يفترض الواقع الميداني أن استهداف البنى التحتية والمستوطنين سيتحول إلى معلم أساسي للمعركة، مع ما يعنيه هذا الأمر من خاصرة ضعيفة تُقلق الكيان، الذي قام منذ النكبة على ضمان أمن مستوطنيه وإبعاد شبح الحرب عن جبهته الداخلية.
وإذا ربطنا ما تقدم بنموذج طوفان الأقصى، بحيث قامت المقاومة باقتحام المستوطنات وقتل كل من تصادفه، فإن قوى المقاومة، التي حضرت من القوات الخاصة، والتي لا مهمة لها إلا اقتحام المستوطنات، ستجعل جيش الكيان يواجه نموذجاً عن المعارك التي ستجعله يعاني آثار نكبة لا يمكن له أن يتجنبها مهما استخدم من قوته النارية.
وعليه، يمكن التقدير أن أربعة معالم ستحكم شكل المواجهة الكبرى، بحيث قدمت جبهات الإسناد نموذجاً عن كل معلم من هذه المعالم. وإذا كان الواقع حتى هذه اللحظة أظهر تطبيقاً عملياً لكل نموذج، بصورة مستقلة عن الآخر، فإن نجاحها في هذا التطبيق سيفتح الآفاق على تقدير مدى فعّاليتها في حال تنفيذها بصورة متزامنة.
الكاتب: وسام إسماعيل- الميادين
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً
منصة إعلامية إلكترونية تنقل الحدث الإخباري بشكلٍ يومي تعني بالشؤون المحلية والعربية والعالمية تشمل مواضيعها كافة المجالات السياسية والثقافية والاقتصادية إضافة إلى أخبار المنوعات وآخر تحديثات التكنولوجيا