أثار إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن قراره بسحب القوات الأميركية من سوريا من حيث التوقيت اندهاشًا وصدمة في الوقت ذاته، الاندهاش من جهة أن هناك الكثير من المراقبين لشأن الأزمة السورية، لم يكونوا يتوقعون أن يأتي مثل هذا القرار في الوقت الذي تعلن فيه واشنطن عزمها على أن تظل جاثمة على صدور الشعب السوري، ومحافظة على وجودها غير الشرعي والمخالف للقانون الدولي ولشرعة الأمم المتحدة، بل إن كل جهودها وتحركاتها باتت منصبة على السيطرة على أجزاء من الأراضي السورية كشرق الفرات؛ أي المناطق ذات الثروات الطبيعية والنفطية والغازية لتحرم الدولة السورية وشعبها من الاستفادة من ثرواته، وتسيطر على هذه الثروات كما سيطرت على ثروات العراق وحرمت الشعب العراقي منها، هذا من جهة، ومن جهة أخرى لتعزل سوريا عن العراق وعن لبنان؛ أي عن تقطيع جغرافيا محور المقاومة.
ولتحكم الولايات المتحدة سيطرتها راهنت أولًا على التنظيمات الإرهابية التي لا تزال تتلقى الدعم المادي والتسليحي، وثانيًا على الميليشيات الانفصالية الكردية التي نجحت واشنطن في دغدغة أحلامها ونزعاتها الانفصالية لتبني معها حلم تقسيم سوريا إلى كانتونات طائفية، لذلك حرصت واشنطن على إبقاء علاقاتها بالتنظيمات الإرهابية والميليشيات الانفصالية، وبالتالي لم تكن مثيرة للدهشة عمليات التسليم والتسلم بين التنظيمات الإرهابية وتحديدًا تنظيم “داعش” الإرهابي وبين الميليشيات الانفصالية للمناطق المسيطر عليها من قبلهم، كما لم يكن مثيرًا للدهشة الاندماج بين هذه التنظيمات والميليشيات مكونة فرقًا موحدة من أجل السيطرة على مناطق سورية جديدة واستباق الجيش العربي السوري قبل وصوله إليها، وليس أدل على ذلك من الهجمات العدوانية التي شنها التحالف الستيني الذي تقوده الولايات المتحدة في سوريا والعراق لاستهداف الجيش العربي السوري والقوات الرديفة في أكثر من منطقة لمنع تقدمه، وتمكين وصول الميليشيات الانفصالية الكردية ومن معها من التنظيمات الإرهابية أو منع الجيش العربي السوري وحلفائه عن طرد هذه الميليشيات والتنظيمات من المناطق التي تسيطر عليها.
أما الصدمة التي شكلها قرار ترامب بسحب قوات بلاده المقدرة بنحو ألفي جندي من سوريا فهي التي يرى بعض المراقبين أنه يمكن تلمسها من قبل حلفاء الولايات المتحدة ككيان الاحتلال الإسرائيلي وبعض القوى في المنطقة التابعة للقوة العظمى والمؤيدة للكيان الإسرائيلي والداعمة له، من حيث إن هؤلاء الحلفاء والتابعين لا يمكنهم البقاء ومواصلة التدخل في الشأن السوري والعبث بدماء الشعب السوري وتدمير البنية الأساسية، وثروات سوريا بدون غطاء عسكري وسياسي أميركي.
في تقديرنا، أن الولايات المتحدة ومن خلال العديد من التجارب لا تقدم على أمر وخصوصًا يتعلق بشأن المنطقة دون معرفة وعلم حليفها كيان الاحتلال الإسرائيلي، كيف لا؟ والولايات المتحدة أتت إلى سوريا وفي جعبتها المخطط ذاته الذي نفذته ضد العراق؛ أي للسيطرة على ثروات سوريا الهائلة من النفط والغاز، ولتأمين حماية كيان الاحتلال الإسرائيلي في المنطقة وبقائه جاثمًا على صدرها وقلبها، ولتنصيبه شرطيًّا عليها، خصوصًا وأن واشنطن وتل أبيب تدركان أن بتدمير العراق وليبيا لم يبقَ ما يهدد بقاء الاحتلال الإسرائيلي وانتشاره في فلسطين وخارجها سوى سوريا، وربما في هذه الخطوة الأميركية ثمة بدائل أخرى كفيلة بأداء الدور الأميركي في سوريا وتنفيذ أهداف المخطط دون الحاجة المباشرة إلى وجود قوات أميركية، وهذا ما سيثبته قادم الأيام، لذلك يحتاج قرار الانسحاب الأميركي إلى أدلة على الأرض تؤكده، مع عدم إغفال أمر مهم، وهو أن الوجود غير الشرعي على أرض سوريا إلى زوال إذا لم يكن اليوم فغدًا، ومن استطاع أن يصمد في وجه أكبر مخطط إرهابي كوني ويعيد حوالي تسعين في المئة أو يزيد من الأرض السورية لديه القدرة والإمكانات أن يطهر ويستعيد ما تبقى.
الوطن العمانية
Discussion about this post