مجرد قرار الانسحاب الأميركي من سوريا اعتراف بأن جيش أميركا كان احتلالا .. المحتل هو أكثر من يعرف جريمته تلك، والجريمة لا يمكن محوها إلا بطرده من كل شبر ومتر وحتى من أصغر خلية. ومثله يعرف التركي، وسيعرف مستقبلا عمق تورطه.
معتوه ومجنون من لا يحسب حسابا لليوم الذي يفقد فيه قدرته على البقاء في المكان العدو. كان صدام حسين مقتنعا أن جيشه لا يدخل بلدا عربيا بل محافظة عراقية، وأعتقد أنه لو توصل إلى المعرفة القائلة بأنه محتل لما فعلها، ومنهم من يعرف جيدا التركيبة النفسية والسياسية لهذا الرجل سيجزم بدخوله وعن قناعة.
الأميركيون تائهون من قرار سيد قرارهم الرئيس ترامب الذي فاجأ السوريين قبل العالم وقبل الرئيس الروسي، يقال إن الرئيس السوداني عمر البشير ربما همس في أذن الرئيس السوري بشار الأسد بما سيقدم عليه ترامب وأرسل لهذا الغرض، إضافة إلى أسباب أخرى، فالبشير صديق للأميركي، ومعظم العرب ولأحمد أبو الغيط وطبعا للروسي الذي قدم له الطائرة الخاصة التي أقلته إلى دمشق .. معنى ذلك أن الأسد ربما كان على علم بالانسحاب.
ما فعله ترامب هروب في المعنى الأدق، المحتل يتربص بنفسه دائما، يريد أن يزيد من عزيمة رجاله، ومهما فعل فهم يعرفون معنى إقامتهم في أرض سوف تأكلهم ذات يوم، تجربتهم في العراق أكثر من مريرة، وفي أفغانستان ما زالت، وقبلها في فيتنام وفي كوريا وغيرها .. لا يمكن إقناع الجيش المحتل بأنه جاء لتوزيع الورد، هو في مهمة وسخة، ولأجل غايات الدولة العظمى التي هي دائما على عجلة من حضورها في العالم كي لا يسجل عليها غياب. دولة بحجم أميركا ليس من السهل أن ترضى بالتفرج ولها بالتالي مصالح في كل زاوية من الكون، ولهذا يتبعثر جيشها في عشرات الأماكن، ولكل مكان دوره وحساباته ومعناه، فهي بالتالي تحتل العالم حقيقة وبرضاه أحيانا.
أول الغيث كما يقال استقالة وزير الدفاع الأميركي ماتيس، أميركا تنفجر من الداخل بسبب الانسحاب من سوريا، القيادة فيها تخطط، ترامب يمزق هذا العرف ويخطو أبعد من قدرة القيادة على استيعاب الجنون كما يعتبرونه.
علينا أن نقرأ جيدا سبب انسحاب الأميركي وهو الذي ردد سابقا بعدمه من أجل تحالفه مع الأكراد الذين يرتعدون من هول القرار بعدما صاروا وحدهم، فلا هم مع القيادة السورية بخير، وعدوهم اللدود أردوغان ينتظرهم عند المنعطف، والبعض يحلل أن قرار ترامب بالانسحاب هو لخدمة غايات تركية أردوغانية، وكان واضحا تهديد الرئيس التركي بالهجوم في أية لحظة على شرق الفرات.
إذا حقق ترامب قراره بالانسحاب من الأراضي السورية، يكون أول قرار إيجابي حققه حتى الآن بعد جملة القرارات التي هبطت على المنطقة بدءا من إيران وصولا إلى نقل السفارة الأميركية إلى القدس وانتظارا لما سيمليه على القضية الفلسطينية في مسألة صفعة القرن كما سماها الرئيس الفلسطيني محمود عباس.. بل سيكون عناده هذه المرة خدمة لمصلحة سوريا وتعزيزا لها في أن تعود إلى أرضها ضمن حسابات وطنية لا بد أن عقل الأكراد على علم ومعرفة بالخطوة التي ستلي انسحاب الجيش الأميركي.
زهير ماجد – الوطن العمانية












Discussion about this post