رحل رجل القصيدة العربية الحديثة بلا منازع نزار قباني، وكلما رحل واحد من الأدباء ينعاه الناعون، وتطوى صفحته طويلاً، وقد لا يعود إلى الذاكرة إلا لماماً، ولكن نزار قباني كان مختلفاً، ففي حياته قال: (جعلت الشعر رغيف خبر ساخناً للناس) ويبدو أنه كان على حق، فأين للناس أن يتوقفوا عن الحاجة للخبز؟ نزار قباني كتب كما يتنفس، بل أكثر من ذلك، كتب كما يتنفس الناس، لذلك التحم مع مشاعرهم وحناجرهم
نزار شاعر الموقف، وليس شاعر الشخصنة، والردّ البسيط على كل هؤلاء بأن ما يصوغونه من أخبار يسقط في استعراض أنشطة الشاعر، فهذه الأشعار ألقاها في لندن وباريس ودمشق وبيروت والقاهرة وبغداد وأبو ظبي، فكيف يمكن لنا أن نتقبل إلقاء هذه القصائد في كل مكان وهي مشخصنة؟! وتستثنى من ذلك أشعاره التي قالها اعتراضاً على اتفاقيات كامب ديفيد (اليوميات السرية لبهية المصرية) فهي لم تنطلق في أمسيات القاهرة، لكن ذلك لم يحل بين نزار وجمهوره وأصدقائه في مصر العربية، ولم يحل دون أن يزور القاهرة ويلقي شعره، ويلقى أحبابه.
يحلو لكثيرين وصف نزار قباني بأنه شاعر المرأة الذي سلّعها ووصف مفاتنها، وخرج عن القانون، ولعل المحاولة الدرامية الوحيدة التي أنجزت عن نزار على الرغم من الإمكانات التي وضعت تحت تصرف العاملين مادياً وفنياً، إلا أن النص الذي كتبه كاتب راحل كان دون مستوى نزار، وربما كانت هناك دوافع جعلت من نزار مراهقاً طوال عمره، والأمر ليس كذلك، فنزار ابتداء من أخته وحبها وموتها أراد للمرأة أن تكون شيئاً مختلفاً، والغاية كانت أن ينهض المجتمع كله، فمن غير نهضة المرأة وحريتها واستقلاليتها الشخصية والاقتصادية لا يكون المجتمع حراً، وفي البدايات تعرض نزار لظلم كبير من المؤسسات الدينية، ومن الأطراف العلمانية والماركسية أيضاً، لأن دعوته لم تكن مجيّرة لمصلحة أي جهة، بل لمصلحة المجتمع.. وها هو جبرا إبراهيم جبرا الكاتب والناقد الفلسطيني المغرق في اليسارية ينتقد الشاعر انتقاداً قاسياً، ثم لا يلبث أن يعود ويعتذر ويقول كلاماً منصفاً لنزار، وبأنه ظلمه لأنه لم يكن يدرك أبعاد دعوة نزار التحررية! «لم يكن من السهل أن يتجاهل المرء ثورة لم تكن في بال صاحبها في أول الأمر، هذه الثورة التي جعل الشاعر، دفاعاً عن نفسه في زمان كثر فيه أدعياء الثورة، يؤكد عليها الآن علانية بنفسه، حين أدرك حقيقة ما ذهب إليه شعره طوال السنين وهو لا يدري، ككل شاعر حق.. ليس هناك من شاعر عربي أو غير عربي، يقرأ على النطاق الذي يقرأ عليه نزار، لقد جعل الشعر يملأ الهواء من كل مدينة أو قرية عربية، فراح يدخل بيوت الناس من أبوابها ونوافذها كالشمس».
ويبقى عشقه الأبدي شامياً:
وددت لو زرعوني في مئذنة
أو علقوني على الأبواب قنديلا
يا شام إن كنت أخفي ما أكابده
فأجمل الحب حب بعد ما قيلا
منصة إعلامية إلكترونية تنقل الحدث الإخباري بشكلٍ يومي تعني بالشؤون المحلية والعربية والعالمية تشمل مواضيعها كافة المجالات السياسية والثقافية والاقتصادية إضافة إلى أخبار المنوعات وآخر تحديثات التكنولوجيا