نبيه البرجي
آنذاك، تداعى السعوديون والاسرائيليون الى لقاء طارئ. استنفروا العديد من مراكز القوى في الولايات المتحدة خوفاً من التداعيات الكارثية للخروج الأميركي من سوريا. عادل الجبير رأى أن هذه الخطوة تحدث تغييراً مدمراً في المسار الاستراتيجي للمنطقة.
السعوديون تعهدوا بتغطية كل نفقات الوجود الأميركي كونه الورقة الوحيدة المتبقية في أيديهم، وبيد الاسرائيليين. هذا ما حدث فعلاً. ما بدا عقب ذلك أظهر أن الأميركيين الذين يناهز عددهم الألفين كانوا يتحركون داخل حيّز تكتيكي ضيق للغاية.
موسكو أبلغت واشنطن بأن صواريخ الـ«اس.اس ـ 300» ستتصدى لأي محاولة اختراق للأجواء السورية. الأتراك كانوا يعتبرون أن الخطة الأميركية (وهذا ما طرح في عهد جورج دبليو بوش وديك تشيني) تلحظ اقامة حزام كردي يكون بمثابة العبوة المفخخة، والمبرمجة، في ظهر سوريا، والعراق، وتركيا، وايران.
البيت الأبيض قال انه لن يتخلى عن الشركاء. لم يعد هناك سوى قوات سوريا الديمقراطية التي تعيش حالة الصدمة، والمرتزقة من أبناء بعض الٌقبائل الذين وصفهم ضابط اميركي بأنهم يذوبون مثل تماثيل الرمل.
الصدمة أيضاً في تل ابيب. منذ البداية، كان هناك وعد أميركي (قاطع) بأن الولايات المتحدة ستتولى ادارة الأزمة في اتجاه الوصول بسوريا الى توقيع معاهدة سلام مع اسرائيل، تكون المدخل الاحتفالي الى صفقة القرن.
دونالد ترامب يواجه أوضاعاً معقدة داخل «الدولة العميقة». ما هي مفأجاة روبرت مولر بعدما أمر باعتقال محامي الرئيس مايكل كوهين، وهو «الصندوق الأسود» الذي ان تقيأ ما في صدره تهاوت اعمدة البيت الابيض؟
الرئيس الأميركي لم يكن يتوقع أن ينقلب عليه حتى أعضاء بارزون في مجلس الشيوخ مثل صديقه السناتور لندزي غراهام، وبوب كروكر، في مقاربته للملف السعودي (وللصفقات المشبوهة مع البلاط). نانسي بيلوسي، الرئيسة المقبلة لمجلس النواب، لوحت أكثر من مرة بـ«تقطيع جثته».
قضية محمد بن سلمان اكثر بكثير من أن تنحصر في ملف خاشقجي. مصادر خليجية موثوقة تتحدث عن صفقات «هائلة» عقدت مع جاريد كوشنر. البلاط وعد بتمويل سلسلة فنادق، وكازينوات، ومنتجعات، في مشروع «نيوم» العابر للحدود، على أن تحمل السلسلة اسم ايفانكا.
في لحظة ما، شعر ترامب بأن وضع سائر الحلفاء يعمل ضده. السعودية في مأزق لا يمكن أن ينتهي الا باعادة هيكلة السلطة. رجب طيب اردوغان يلعب، بهلوانياً، بين خيوط العنكبوت. مصر تشهد تفاعلات حساسة بدعوة ضباط كبار الى استعادة العسكريين الذين يعملون في اليمن، والدفع في اتجاه احياء العلاقات مع سوريا.
واقع آخر على الأرض السورية بعد الخروج الكبير (الهروب الكبير باللغة الهوليوودية). الرهان على عودة القادة الأكراد الى الوعي، أي الى كنف الدولة السورية.
هذا لا يشيح بأنظارنا عن بعض المسائل التي تزامنت مع القرار الأميركي والتي تجعلنا نتمسك بنوايانا السيئة:
1- التهديد التركي بتنفيذ عملية عسكرية ضاربة شرق الفرات، حتى ولو أدى ذلك الى صدام مع القوات الأميركية.
2- موافقة وزارة الخارجية الأميركية، وهي موافقة ضرورية ,على بيع منظومات صواريخ «باتريوت» الى اردوغان، لتكون تركيا الدولة الوحيدة التي تمتلك هذه المنظومات الى جانب منظومات «اس.اس ـ 400 الروسية».
3- حديث بنيامين نتنياهو عن صواريخ «حزب الله» والتقليل من فاعليتها، ومن دقتها، والقول أن الحزب أخلى ثلاث وحدات لانتاج الصواريخ قرب مطار بيروت، مع أن الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية تدرك تماماً أن الحزب يمتلك عشرات آلاف الصواريخ، ذات الدقة، وذات الفاعلية العالية.
أي ساذج يمكن ان يصدق أن الحزب انشأ مصانع للصواريخ، في منطقة مكتظة ديموغرافياً، وهشة جيولوجياً، ومعرضة للضرب، مع وجود مناطق جبلية تعصى حتى على أم القنابل (جي. بي. يو ـ 43 بي) التي يفاخر بها البنتاغون؟
4 – كل هذا تزامن مع تهديدات أميركية حول جلسة مجلس الأمن في صدد الأنفاق، وهي الجلسة التي انتهت، كما نعلم الى لا شيء.
الهروب الكبير، بلغة الواقع لا باللغة الهوليوودية، سيغيّر الكثير على المسرح. تنفسوا الصعداء…
Discussion about this post