انطلقت الاجتماعات التمهيدية والتحضيرية للقمة العربية في دورتها العادية الثالثة والثلاثين والمقرر عقدها اليوم الخميس في العاصمة البحرينية المنامة، وسط ظروف وتطورات إقليمية ودولية غير مسبوقة تشكل تهديدات وتحديات مهددة للأمن القومي العربي كعنوان كبير وشامل وما ينبثق عنها من عناوين تفصيلية تفرض الحاجة لاتخاذ موقف عربي موحد للحد من تداعياتها وآثارها إن لم يكن هناك القدرة لمواجهتها وإنهائها بشكل كامل.
استثنائية هذه القمة تنبثق من ثلاثة عوامل أساسية لا يمكن تجاهلها لأي متابع للشؤون الدولية، العامل الأول يتعلق بالمملكة البحرينية التي تستضيف أول قمة عربية على أراضيها سواء كانت بصورتها العادية أم الطارئة، إذ تسعى البحرين لأن تسجل إنجازاً سياسياً على المستوى العربي كونها تستضيف هذا الحدث لأول مرة في تاريخها، أما العامل الثاني فيتمثل في مواجهة الانحدار الذي تشهده الدول العربية سواء فيما يتعلق بعلاقاتها الجمعية أو البينية، أم المخاطر والتهديدات الناجمة عن الصراعات والحروب والأزمات التي تعاني منها وتداعيات ذلك من المخاطر المفروضة ليس فقط على الدول التي تعاني من هذه الظواهر بل أيضاً على الدول المجاورة لها، وتأتي في قمة هذه المخاطر العجز العربي في التصدي للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وإيقافه والآثار المزلزلة في حال نجاح حكومة الكيان المتطرفة من تهجير أهالي القطاع، والتهديدات الأمنية الناجمة عن انتشار الإرهاب العابر للحدود الجغرافية، وعدم القدرة على إيجاد الحلول السياسية الفاعلة لأزمات الدول العربية في سورية والعراق واليمن ولبنان وليبيا والسودان، وصراعات الحدود نتيجة الضغوط الخارجية، وفقدان عامل الإرادة السياسية وانخراط بعض الدول في هذه الأزمات لدوافع توسعية أو إيديولوجية، في حين يتجلى العامل الثالث بما يمكن تشبيهه بالسيف ذي الحدين والذي تفرضه التطورات الدولية من صراعات ونزاعات ترخي بظلالها على الأوضاع العربية في سياق أمنها القومي في المجالات المختلفة الأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية… إلخ، وهو ما يمكن تشبيهه بالحد السلبي أو الخطير، والحاجة الضرورية لإمكانية استغلال التطورات لتثبيت مكانة الموقف والدور العربي في الساحة الدولية استناداً لما تمتلكه هذه الدول من عوامل قوة يمكن استغلالها للاستفادة من الحد الإيجابي.
بناء على ما سبق من الاطلاع على هذه العوامل ولاسيما الإقليمية والدولية منها، يفرض على صانعي ومتخذي القرار من القادة العرب، إدراك حقيقتين تمثلان مؤشرين خطيرين في آليات التعامل مع التهديدات المفروضة على الأمن القومي العربي، الحقيقة الأولى تكمن في أن تجاهل هذه المخاطر وعدم تبنيها كمخاطر قطرية وقومية من شأنها تهديد أمن أي دولة مهما اعتقدت أنها غير معنية أو بعيدة عنها، والحقيقة الثانية تتمثل في ضرورة عدم تعريض الرأي العام العربي للمزيد من الخيبات والإحباط الناجم عن غياب مواقف عربية واضحة في التعامل مع التهديدات السائدة أو المنبثقة أو المتوقعة، وأهم الملفات التي تشكل حاجة ملحة في هذا السياق تتمثل في:
أولاً- القضية الفلسطينية: إذ إن عملية طوفان الأقصى وما شهدته من تداعيات كان أبرزها شن حكومة الاحتلال اليمينية المتطرفة بقيادة بنيامين نتنياهو وزمرته العنصرية عدوانها على قطاع غزة، وممارسة الإبادة الجماعية أودت بمقتل وجرح أكثر من 110 آلاف فلسطيني خلال الأشهر السبعة الماضية، وتدمير أكثر من 84 بالمئة من بنية القطاع التحتية بهدف تهجير أهالي هذه الرقعة الجغرافية تمهيداً لتصفية القضية بشكل كامل، تفرض على القادة العرب المجتمعين في المنامة اتخاذ موقف حازم ضد الكيان وداعميه ولاسيما الولايات المتحدة الأميركية، إذ إن استمرار العمليات العدوانية الإسرائيلية في غزة وعرقلة التوصل لأي اتفاق يتضمن وقف إطلاق نار مستدام ورفض حكومة نتنياهو مناقشة مستقبل غزة ما بعد الحرب، إلى جانب توسيع رقعة الاستيطان في الضفة وحماية الجماعات المتطرفة وإقرار المزيد من التشريعات التهويدية، هي رسالة واضحة للعرب قبل غيرهم، من حيث نسف مبادرتهم للسلام التي تبنوها في قمة بيروت عام 2002.
وما يجعل هذه القضية من أبرز الملفات الملحة وفي أعلى جدول المناقشات، هي التداعيات السلبية التي تتعمق في إطار القضية ذاتها، وكذلك التهديدات المتنامية على أمن دول المنطقة، وتزايد المخاطر من احتمال توسع رقعة الصراع ما يهدد بحرب إقليمية، واستمرار الغرب بمنح الغطاء السياسي والدعم العسكري لهذا الكيان في ظل ضعف موقف عربي موحد رافض ورادع لهذا السلوك.
ثانياً- الأزمات والصراعات التي تعاني منها الدول العربية: وهي تنقسم لثلاثة أقسام، الأول ما يمكن تسميته بالأزمات الداخلية، والثاني يتعلق بالأزمات البينية المتعلقة بالخلافات البينية العربية نتيجة الحدود أو الإيديولوجية أو غيرها، في حين أن النوع الثالث يتجلى في الأخطار الناجمة من التدخلات الخارجية مثل مخاطر استكمال سد النهضة على الأمن المصري واستمرار التدخلات السلبية لتركيا في العراق وسورية وليبيا وغيرها، هذه الأنواع الثلاثة من الأزمات تشكل تهديداً يفرض على القادة العرب اتخاذ موقف مشترك لإيجاد الحلول للحد من تأثيرها، إذ إن معالجة هذه الأزمات باتت تمثل حاجة بهذا التوقيت نظراً لاتساع ما انبثق عن هذه الأزمات من تداعيات أمنية ممثلة بالإرهاب، وسياسية ممثلة بزيادة التدخلات الخارجية، واقتصادية ممثلة بتراجع مؤشرات التنمية وانتشار الفقر، واجتماعية ممثلة بتفسخ المجتمعات وانتشار المخدرات والجهل والتطرف وزيادة الهجرات، وغذائية وصحية وغيرها من السلبيات التي تعد بمثابة ثغرات خطيرة تنخر داخل جسد الأمن القومي العربي من جهة، وتضعف من مكانته وقدراته الإقليمية والدولية من جهة أخرى، وتتيح المجال لنقل الصراعات وحروب الوكالة إليه على قاعدة تحويله لرقعة شطرنج تتنافس عليه القوى والفواعل الإقليمية والدولية.
ثالثاً- مواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية: فعلى الرغم من امتلاك الدول العربية للعديد من مؤشرات التفوق الاقتصادي من مصادر طاقة وموقع جغرافي ويد عاملة شابة وخبرات يمكن استثمارها في المجالات الزراعية والتجارية والصناعية، إلا أن الواقع الاقتصادي العربي يخيب كل مؤشرات النمو، وهذا يعود لعدة أسباب أبرزها غياب تعاون عربي مشترك في المجال الاقتصادي، وانتشار الأزمات والصراعات، وعدم توظيف الإمكانات القومية بالشكل الأمثل، وتفشي الفساد وهروب الكفاءات وغيرها الكثير من الأسباب التي انعكست على الواقع الاجتماعي بشكل سلبي نتيجة ارتفاع البطالة والفقر، فأدى ذلك لارتفاع معدلات الهجرة، وانتشر الجهل، وزاد التطرف والمجاعات.
رابعاً_ استغلال التطورات الدولية والإقليمية: من الملفات المهمة التي يجب أن توضع على جدول أعمال القمة العربية والتي فرضها الصراع الدولي في أوكرانيا وإفريقيا وجنوب شرق آسيا وشرق المتوسط، البحث عن شراكات إقليمية ودولية تعزز مكانة الدول العربية في الساحة الدولية، وخاصة مع صعود قوى جديدة في النظام الدولي مثل روسيا والصين، وبروز تكتلات اقتصادية ذات تأثير جيو سياسي على غرار بريكس وشنغهاي، وهو ما يفرض حاجة عربية للدخول في شراكات مع هذه الدول والتكتلات للاستفادة من إمكاناتها من ناحية واستغلال المقدرات العربية التي تشكل حاجة لهذه الدول، فمثل هذا التعاون والشراكة إن تمت بصورة صحيحة ستعزز من الدور العربي حتى داخل المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة، أما على المستوى الإقليمي فإنه وبعد عقود من الصراع مع إيران لم تجلب للمنطقة إلا المزيد من التوتر والاستنزاف، بات لابد من الدخول في حوار صريح مع طهران بهدف التوصل لرؤية مشتركة لمحددات الأمن القومي للمنطقة، في حين تتمثل الحاجة لإعادة احتواء تركيا سواء من خلال استخدام الضغط أم الإغراء الاقتصادي، لكون أن أنقرة التي وظفت الدين والحدود والتهديدات لتبرير تدخلاتها في أزمات المنطقة، هي قوة إقليمية فاعلة يتم استغلالها من الغرب لإبقاء حالة الصراع قائمة.
هذه الملفات وغيرها تشكل من جانب تهديدات للأمن القومي العربي ولاسيما الأزمات والصراعات والحروب، ومن جانب آخر تشكل حاجة لتعزيز مقومات هذا الأمن، ولكن الأهم من ذلك هل ستنجح قمة المنامة في ردم الهوة بين مؤتمرات القمة على مستوى الموقف السياسي وبين حاجة وتطلعات ورغبة الشارع العربي؟
منصة إعلامية إلكترونية تنقل الحدث الإخباري بشكلٍ يومي تعني بالشؤون المحلية والعربية والعالمية تشمل مواضيعها كافة المجالات السياسية والثقافية والاقتصادية إضافة إلى أخبار المنوعات وآخر تحديثات التكنولوجيا