في 2 يونيو 2024، اتجه المكسيكيون للإدلاء بأصواتهم في صناديق الاقتراع؛ للمشاركة في انتخابات تاريخية هي الأكبر من حيث عدد الناخبين والمرشحين. كان لأكثر من 98 مليون شخص الحق في التصويت – وهو عدد قياسي من الناخبين لأول مرة – وذلك لاختيار نحو 21 ألف مسؤول على المستويات المحلية والولائية والوطنية، بما في ذلك رئيس البلاد، وجميع أعضاء المجلس التشريعي البالغ عددهم 628 عضواً، وحكام تسع ولايات (بما في ذلك مكسيكو سيتي)، وأكثر من 19 ألف مسؤول محلي.
تُظهر النتائج الصادرة عن المعهد الوطني للانتخابات في المكسيك، وذلك بعد فرز نحو 95% من الأصوات، أن “كلوديا شينباوم” المرشحة عن الحزب الحاكم (مورينا)، حصلت على ما بين 59.3% من الأصوات. وستحكم شينباوم، التي سبق أن شغلت منصب وزيرة البيئة ومنصب عمدة العاصمة مكسيكو سيتي، البلاد خلال السنوات الست المقبلة.
جاء فوز شينباوم المرشحة الأوفر حظاً في استطلاعات الرأي على مدار الشهور الماضية، عقب تفوقها على منافستها مرشحة المعارضة “شوشيتل جالفيز”، التي حصلت على نسبة %27.9 من الأصوات. وتُشير النتائج الرسمية إلى حصول المرشح “خورخي ألفاريز ماينيز” عن حزب “حركة المواطنين” على نسبة أصوات %10.4.
دلالات لافتة
كان لنتائج الانتخابات العامة التي أجريت في المكسيك العديد من الدلالات، لعل من أبرزها:
1– تعزيز المكانة السياسية للمرأة: غالباً ما تميزت المكسيك التي يبلغ عدد سكانها 130 مليون نسمة بثقافتها “الذكورية”. والآن وللمرة الأولى في تاريخ البلاد، ستصبح رئيستها المنتخبَة امرأة، كما رشَّحت المعارضة سيدة لرئاسة المكسيك. وبذلك تصبح شينباوم أول امرأة تفوز بالانتخابات العامة في أمريكا الشمالية، التي تضم الولايات المتحدة والمكسيك وكندا، كما تنضم المكسيك الآن إلى قائمة تضم 11 دولة في أمريكا اللاتينية تحكمها أو كانت تحكمها نساء، وهي: الأرجنتين وبوليفيا والبرازيل وتشيلي وكوستاريكا والإكوادور والسلفادور وهاييتي وهندوراس ونيكاراجوا وبنما.
ستكون رئاسة سيدة للمكسيك خطوة كبيرة في بلد ترتفع فيه التفاوتات العميقة بين الجنسين، ومستويات العنف القائم على النوع الاجتماعي. في المكسيك، تُقتل نحو 10 نساء يومياً. ووفقاً لبيانات الأمانة التنفيذية لنظام الأمن العام الوطني، قُتلت 2580 امرأة في المكسيك في عام 2023. وبالرغم من الأهمية الرمزية لوجود امرأة على قمة هرم السلطة في المكسيك، فإن هذا لن يكون كافياً، ما لم تتبنَّ جدول أعمال يولي المشاكل التي تواجهها النساء اهتماماً خاصاً.
2– استمرار سيطرة اليسار على الحكم في المكسيك: بفوز شينباوم الساحق في الانتخابات الرئاسية، فإنها تُمهد الطريق لاستمرارية سيطرة اليسار على السلطة في ثاني أكبر اقتصاد في أمريكا اللاتينية، وهي السيطرة التي بدأت منذ تولي الرئيس “أندريس مانويل لوبيز أوبرادور” الحكم في عام 2018. ووفقاً لنتائج الانتخابات، فإن اليسار سيحكم البلاد لمدة ست سنوات إضافية؛ أي حتى عام 2030. وسيضيف فوز شينباوم بمنصب الرئيس المكسيكي، مزيداً من الزخم لموجة صعود اليسار في الدول الكبرى في أمريكا اللاتينية، بما في ذلك البرازيل، وكولومبيا، وتشيلي.
3– استمرار تأثير إرث الرئيس أوبرادور: يحتل الرئيس أوبرادور مكانة خاصة في الحياة السياسية المكسيكية، مع تمتعه بمستوى دعم يقترب من %60، بعد أن أعطى الأولوية للبرامج الاجتماعية، وخاصةً دعم المعاشات التقاعدية للمسنين، وبرامج التدريب المهني للشباب. ورغم تعهده بالتقاعد تماماً من السياسة بعد مغادرته منصبه، فإن هناك شكوكاً عديدةً حول إمكانية تخليه عن العمل السياسي. وقد ألقى الرئيس الحالي، الذي يسعى إلى الحفاظ على إرثه، بثقله وراء شينباوم التي تعهدت بالاقتداء بسلفها، ومواصلة مشروعه المعروف بـ”التحول الرابع”. ولعل الانتقاد الأكثر شيوعاً لشينباوم هو أنها ليست أكثر من “نسخة” من أوبرادور؛ لذلك سيتعين عليها بناء قاعدة قوتها، وتطبيق نهجها الخاص في الحكم؛ حيث إنها أقل تصادميةً من سلفها، كما يرجح أن تكون أكثر ملاءمةً للأعمال التجارية واعتماداً على التحليلات العلمية والإحصائية؛ ما يعني أن إدارة شينباوم ستختلف في الأسلوب عن إدارة أوبرادور، ولكن ليس في الجوهر.
4– تفاقم ضعف المعارضة وفقدان مصداقيتها: تكشف نتائج الانتخابات العامة في المكسيك عن فشل ائتلاف المعارضة، الذي تشكَّل من مجموعة من الأحزاب ذات التوجهات السياسية المتباينة من اليمين واليسار على حد سواء، في دعم مرشح يحظى بقبول مجتمعي، وحشد الناخبين للتصويت لصالحه. في الواقع، تعاني أحزاب المعارضة التقليدية من حالة من الانقسام الداخلي والضعف العام، ويربط الناخبون المكسيكيون هذه الأحزاب بسياسات فاشلة، مثل مكافحة الجريمة المنظمة وتحقيق النمو المتوازن. في المقابل، يرى الناخبون أن حزب مورينا “جديد ومختلف نسبياً”، ويرتبط بسياسات إيجابية، خاصةً مكافحة الفقر والتفاوت الاجتماعي.
قبل الانتخابات الأخيرة، تمتع الحزب بأغلبية بسيطة في مجلسي الكونجرس، وسيطر أعضاؤه على حكومات 23 ولاية من أصل 32 ولاية في البلاد. وتُشير النتائج الأولية الرسمية لانتخابات 2024، إلى أن حزب مورينا وحلفاءه سيكون لديه ما بين 346 و380 مقعداً في الكونجرس المقبل، وهو ما يعني حصوله على الأغلبية المؤهلة البالغة 334 صوتاً المطلوبة لتمرير التعديلات الدستورية التي اقترحها أوبرادور.
5– سيادة نظام الثنائية الحزبية: يمكن أن تُعزز نتائج انتخابات عام 2024، الاتجاه المتمثل في تداول السلطة في المكسيك بين حزبين رئيسيين. حكم الحزب الثوري المؤسسي (PRI) البلاد من دون انقطاع لمدة سبعة عقود من الزمن، حتى عام 2000. ثم عاد للسلطة بين عامي 2012–2018. ومنذ عام 2018، يحكم حزب مورينا. ويُظهر هامش فوز شينباوم الكبير قوة الحزب الحاكم في المكسيك، الذي نجح – وفقاً للنتائج الأولية للانتخابات الأخيرة – في الفوز بسبع من حكومات الولايات التسع، التي جرى التنافس عليها.
6– ارتباط العملية الانتخابية بأحداث العنف: العملية الانتخابية الأخيرة هي الأكثر عنفاً ودمويةً على الإطلاق في التاريخ الحديث للبلاد؛ حيث قُتل 37 مرشحاً أو طامحاً للترشح لمناصب منتخبة من يونيو 2023 إلى 1 يونيو 2024، وفقاً لتقرير صادر عن منظمة Laboratorio Electoral. يتجاوز هذا الرقم عدد المرشحين الذين قتلوا أثناء العملية الانتخابية لعام 2018 (24 مرشحاً)، وهذا يؤكد وفقاً للمنظمة “أن العنف المرتبط بالانتخابات كان له اتجاه تصاعدي مقلق”. وفي التاريخ نفسه، سجَّلت المنظمة 272 هجوماً على المرشحين والأشخاص المرتبطين بالعملية الانتخابية الحالية. ومنها 82 جريمة قتل، بالإضافة إلى 17 عملية اختطاف و 65 هجوماً و 108 تهديدات. وأدى العنف إلى تخلي عشرات المرشحين عن ترشيحاتهم خوفاً على حياتهم.
ملفات مهمة
في حين أن الرئيسة القادمة ستستفيد من الآفاق الاقتصادية الجيدة المتمثلة في القرب الجغرافي من الولايات المتحدة، فإنه سيكون عليها التعامل بجدية مع عدد من الملفات المحلية والإقليمية، ومن أبرزها:
1– تحفيز الاقتصاد ومواصلة البرامج الاجتماعية: ترث شينباوم اقتصاداً متنامياً، بفعل التجارة الضخمة مع الولايات المتحدة. وفي عام 2023، أصبحت المكسيك أكبر شريك تجاري لجارتها الشمالية؛ حيث اقتربت التبادلات الثنائية من 900 مليار دولار، كما ارتفع الاستثمار الأجنبي المباشر ليصل إلى 36 مليار دولار. وتم توجيه الكثير منها للتصنيع والشركات التي تتطلع إلى الإنتاج خارج الصين للوصول بسهولة أكبر إلى الأسواق الأمريكية. ومع ذلك، كانت هذه التدفقات أقل مقارنةً بالأسواق الناشئة الأخرى والارتفاعات التاريخية التي حقَّقتها البلاد قبل عقد من الزمان. وتلقت المكسيك، التي تعد من أكبر خمسة عشر اقتصاداً عالمياً، أقل من 3% من الاستثمار الأجنبي المباشر العالمي عام 2023.
وفي مواجهة هذه الضغوط المالية، يمكن أن يُعزى انتصار شينباوم إلى التزامها بالقضايا الشعبية مثل الطاقة المتجددة والتعليم. وسيكون عليها أيضاً متابعة تنفيذ البرامج الاجتماعية الحكومية التي بدأها أوبرادور، والتي كانت عاملاً محفزاً لشعبيته المرتفعة، خاصةً بين الفقراء.
2– مواجهة التحدي الأمني: ستواجه شينباوم حالة متزايدة من انعدام الأمن وضعف سيادة القانون. وتُظهِر استطلاعات الرأي أن الأمن هو القضية الأولى بالنسبة إلى الناخبين. على مدى السنوات الخمس الماضية، شهدت المكسيك ارتفاعاً في معدل جرائم القتل والابتزاز بنحو 50%. انتشرت الجريمة المنظمة جغرافياً، ووسعت أنشطتها، بما في ذلك ابتزاز الحماية لمزارعي الأفوكادو ومنتجي الطاقة المهربة، ومهربي المهاجرين. وفي الوقت نفسه، فإن عسكرة الأمن تعني تخفيضات في ميزانيات إنفاذ القانون على مستوى الولايات وعلى المستوى المحلي؛ ما يحد قدرة الشرطة المدنية.
من الناحية الخطابية، لم تبتعد شينباوم عن نهج أوبرادور الأمني “العناق وليس الرصاص” الذي يركز على البرامج الاجتماعية أكثر من إنفاذ القانون، كما دعمت علناً الاعتماد المتزايد على الجيش في الأمن الداخلي، على الرغم من أنها بصفتها عمدةً للعاصمة، استثمرت في توسيع وتعزيز وإضفاء الطابع المهني على قوة الشرطة المدنية. ورغم سجل شينباوم الواضح في تحسين الأمن خلال عملها عمدةً لمكسيكو سيتي، يبقى من الضروري معرفة إذا ما كان بإمكانها تكرار ذلك على المستوى الوطني.
3– مكافحة الهجرة غير الشرعية: تُشكِّل الهجرة نقطة مثيرة للقلق؛ حيث لم تصبح المكسيك مجرد بلد مرسل، بل أصبحت أيضاً نقطة عبور واستقبال. وتعمل الحكومة المكسيكية مع الولايات المتحدة للحد من وصول المهاجرين إلى الحدود الجنوبية للولايات المتحدة، وقامت بتفريق القوافل وإقامة نقاط تفتيش ونقل المهاجرين جنوباً، كما استضافت عشرات الآلاف من الأفراد الذين طردتهم الولايات المتحدة أو طلبت منهم الانتظار في البلاد.
بالإضافة إلى ذلك، شهدت المكسيك أعداداً قياسية من المهاجرين الذين تقدموا بطلبات اللجوء. وتنتظر حالياً ما يقرب من خمسمائة ألف قضية البت فيها، في حين يقيم مئات الآلاف من المهاجرين الآخرين الآن في المكسيك دون تسجيل رسمي. وشددت شينباوم على أن أفضل طريقة لمواجهة هذه المشكلة على المدى الطويل، هي الاستثمار في الأماكن التي يأتي منها المهاجرون، وطالبت بتقديم الدعم للمكسيك ودول أمريكا الوسطى الأخرى.
4– التخفيف من حدة الضغوط المالية: سيكون لدى الرئيسة الجديدة أموال أقل للتعامل مع التحديات الداخلية. يقترب عجز الميزانية الآن من 6% من الناتج المحلي الإجمالي – وهي النسبة الأعلى منذ ثمانينيات القرن العشرين – حتى مع الاستثمارات العامة في الطرق والسكك الحديدية والمطارات والمعابر الحدودية. ضخت حكومة الرئيس أوبرادور أكثر من 90 مليار دولار في شركة الطاقة المملوكة للدولة (بيميكس)، لكنها لا تزال مدينة بأكثر من 100 مليار دولار؛ ما يجعلها شركة النفط الأكثر مديونيةً في العالم. وتتوقع وكالة التصنيف الائتماني العالمية موديز أنه إذا استمر الدعم الحكومي لشركة بيميكس فستتكبد خزينة المكسيك قريباً ما يقرب من 18 مليار دولار سنوياً. مع ذلك، لا تزال إعادة هيكلة الشركة النفطية محفوفة بالمخاطر السياسية؛ ما يجعل الإصلاحات الهيكلية صعبة.
5– إعادة ضبط العلاقات مع دول أمريكا اللاتينية: يتعين على شينباوم أن تُعيد ضبط علاقات المكسيك مع أمريكا اللاتينية، التي تضررت بفعل الإدارة الحالية؛ حيث كانت المشاركة الإقليمية للرئيس أوبرادور متقطعة، كما أثار الجدل في بعض الأحيان بسبب دعمه القادة المتحالفين أيديولوجياً، مثل الرئيس البوليفي السابق إيفو موراليس، ورئيس بيرو السابق بيدرو كاستيلو، بعد عزلهما في عامي 2019 و2022، على التوالي. كما قطع العلاقات مع الإكوادور في أبريل 2024 بعد أن داهمت الشرطة الإكوادورية السفارة المكسيكية في كيتو لاعتقال نائب رئيس سابق حصل على اللجوء السياسي.
وأدت دعوته للرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو إلى حضور قمة مجموعة دول أمريكا اللاتينية (CELAC) في عام 2021، إلى إثارة غضب العديد من الرؤساء الآخرين. ومن المرجح أن تتبنى شينباوم لهجة وأجندة مختلفة في المنطقة، وربما تعمل على أن تمارس المكسيك دوراً قيادياً في أمريكا اللاتينية، وقد تساعد في تنسيق المشاركة العالمية للمنطقة، وهذا من شأنه أن يُكسِب البلاد المزيد من النفوذ في علاقاتها الدولية، كما سيُمكِّنها من مواجهة العديد من التحديات، بما في ذلك ارتفاع أعداد المهاجرين القادمين من دول المنطقة إلى الحدود الجنوبية للولايات المتحدة.
6– محاولة تهدئة حدة الاستقطاب السياسي: أجريت العملية الانتخابية في ظل سياق من الاستقطاب السياسي، وهو الاستقطاب الذي ساهم الرئيس أوبرادور في تفاقمه على مدى السنوات الست الماضية، مع وصفه المعارضين بأنهم خونة ومضطهدون أثرياء، وكشف في بعض الأحيان عن دخلهم وسجلاتهم الضريبية السرية، وعمل أوبرادور كذلك على تصوير كل قضية على أنها صراع بين “الناس الطيبين” والمؤامرات المحافظة الغامضة؛ ما أدى إلى تأجيج مشاعر الانقسام والغضب المجتمعي.
في المكسيك، قسمت قضايا الهوية الوطنية ونفوذ الأجانب والإقصاء الاقتصادي البلاد إلى معسكرات متنافسة؛ لهذا لم يكن مستغرباً أن ترد كلوديا شينباوم على إعلان فوزها المتوقع في الانتخابات الرئاسية المكسيكية، قائلةً إن إدارتها ستحكم لصالح جميع المكسيكيين “دون تمييز”، على الرغم من أن الجميع لا يدعمون سياساتها.
تداعيات مرتقبة
من المُرجح أن يكون لفوز شينباوم – التي ستتولى رئاسة المكسيك رسمياً في الأول من أكتوبر القادم – مجموعة من التداعيات المحتملة، ومنها:
1– تحديد مستقبل المسار الديمقراطي للبلاد: لعل النتيجة الأهم للانتخابات الأخيرة هو تأثيرها المرتقب على قوة المؤسسات الديمقراطية في المكسيك. شهدت فترة حكم أوبرادور انتقادات حادة لنهجه في التعامل مع خصومه السياسيين، ويركز معارضوه على الإجراءات التي اتخذها لخفض التمويل لمعهد الانتخابات المستقل، وقيامه بالتشهير بالصحفيين الذين يعارضون سياساته، فضلاً عن اقتراحه سلسلة من الإصلاحات الدستورية التي يخشى البعض من أنها ستُضعف الديمقراطية في البلاد، بما في ذلك انتخاب قضاة المحكمة العليا بالاقتراع الشعبي بدلاً من تعيينهم.
وردَّت المعارضة باحتجاجات كبيرة ضد هذه المقترحات؛ لذا فإن طريقة تعامل الرئيسة الجديدة للبلاد، التي دعمت الإصلاحات الدستورية المقترحة، مع المؤسسات المستقلة، ستُشكِّل عاملاً محدداً لمستقبل الديمقراطية في البلاد، علاوةً على أن تركيبة الكونجرس المستقبلية ستكون حاسمة بالنسبة إلى الاتجاه السياسي لأكبر دولة ناطقة بالإسبانية في العالم.
2– تعزيز اتجاهات التحول إلى الطاقة النظيفة: قدَّر تقرير عام 2023 الصادر عن شركة الخدمات المصرفية الاستثمارية مورجان ستانلي، أن المكسيك بحاجة إلى استثمار نحو 40 مليار دولار في توليد الطاقة وتوزيعها خلال الفترة الرئاسية المقبلة لمواكبة الطلب. ولجذب التصنيع العالمي، يجب أن يكون الكثير من هذه الكهرباء الجديدة خضراء. ومع ذلك، أعاقت سياسات الحكومة الحالية استثمارات القطاع الخاص في الطاقة وأعطت الأولوية لتوليد الكهرباء بالوقود الأحفوري على استخدام مصادر الطاقة المتجددة.
وتواجه إحدى عشرة ولاية والعاصمة مكسيكو سيتي نقصاً كبيراً في المياه يرجع في جزء كبير منه إلى البنية التحتية المتهالكة، وهذا يؤثر على العمليات التجارية الكثيفة الاستهلاك للمياه، وعلى نحو متزايد، على الحياة اليومية للمواطنين، ويبدو أنه سيزداد سوءاً مع تغير المناخ. تأمل شينباوم في جذب مليارات الدولارات من الاستثمارات الخاصة لمزارع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، مع احتفاظ الحكومة بالسيطرة وحصة الأغلبية في سوق الكهرباء. ورغم أنه من المرجح أن تولي أهمية متزايدة لتعزيز الاهتمام بالطاقة النظيفة والتنمية المستدامة، فإنه لا يزال هناك شكوك بشأن إمكانية التحول إلى مزيج طاقة أكثر اخضراراً خلال إدارة شينباوم بسبب الاعتماد الكبير على استثمارات الحكومة والمؤسسات المملوكة للدولة بدلاً من القطاع الخاص.
3– اختبار لمدى استمرارية علاقات التعاون مع واشنطن: كان التصويت في الانتخابات المكسيكية مهماً لأنه يُصادف العام الذي تجري فيه الانتخابات الرئاسية الأمريكية – وهو أمر يحدث مرة واحدة فقط كل 12 عاماً – ويأتي في وقت تمر فيه العلاقة بين البلدين بمرحلة فارقة. وقد تعهدت الرئيسة القادمة بصياغة علاقة احترام دون تبعية مع واشنطن قوامها التنسيق والتعاون من أجل التنمية. مع ذلك، سيكون عليها التعامل مع العديد من القضايا الشائكة، بما في ذلك إعادة التفاوض على اتفاقية التجارة الحرة مع الولايات المتحدة وكندا التي سيحل موعد تجديدها عام 2026، وتعزيز التعاون مع وكالات إنفاذ القانون الأمريكية لمكافحة المخدرات، بجانب إدارة علاقات متوازنة مع كل من واشنطن وبكين.
يعتقد بعض المحللين أن أوبرادور اتبع سياسة مقايضة تجاه كل من الرئيسين الأمريكيين دونالد ترامب وجو بايدن، ومن المحتمل أن يستمر هذا النهج مع شينباوم. التزمت المكسيك بمعالجة قضيتين رئيسيتين تؤثران على الولايات المتحدة، وهما القضيتان اللتان ستحددان الانتخابات الأمريكية المقررة في نوفمبر المقبل: الهجرة والمخدرات. وفي المقابل، خفضت الولايات المتحدة بشكل كبير انتقاداتها للضعف الديمقراطي والمؤسسي للمكسيك في عهد أوبرادور.
4– التعرض لصعوبات في القدرة على الحكم: إن الحفاظ على الوحدة داخل مورينا وسط التقارير عن وجود انقسامات حزبية كامنة، سيشكل تحدياً لسلطة شينباوم. ومنذ التشكيل الرسمي للحزب في عام 2014، أدت الجاذبية الشخصية لأوبرادور إلى دمج أصحاب المصلحة المتنوعين الذين تتنوع أيديولوجياتهم من الوسط إلى أقصى اليسار. إن الفشل في مواءمة المصالح الحزبية المتضاربة –في ظل افتقارها إلى الشخصية الكاريزمية التي يتميز بها الرئيس الحالي – يمكن أن يُعرِّض للخطر قدرة شينباوم على الحكم، لا سيما عند تقديم سياسات تنحرف عن الخط السياسي لسلفها أو عند السعي إلى حل وسط مع المعارضة.
حتى لو أرادت أن تنأى بنفسها عن أوبرادور ، فإنه بموجب قانون جديد للاستفتاء على سحب الثقة وافق عليه الرئيس الحالي، يمكن عزل شينباوم بعد عامين في منصبها. وهذا من شأنه أن يجعلها رهينةً سياسيةً لأوبرادور؛ لأن بإمكانه أن يأمر حزبه بالدعوة إلى استفتاء وطردها من منصبها. وبعيداً عن القدرة على الحكم، تخشى المعارضة ومنظمات المجتمع المدني من أن يُمارس أوبرادور – من خلال دوره المهيمن على حزب مورينا الحاكم – نفوذاً لا مبرر له في حكومة شينباوم. وهذا أمر مزعج؛ لأنه يتصل بصحة الديمقراطية في المكسيك.
من جملة ما سبق، يمكن القول إن فوز شينباوم مرشحة اليسار بهامش كبير عن أقرب من منافسيها في انتخابات الرئاسة المكسيكية، سيمنحها تفويضاً قوياً لمعالجة التحديات الرئيسية التي تواجهها البلاد، كما أن اتجاه الائتلاف الحاكم بزعامة حزب مورينا إلى الحصول على أغلبية الثلثين في مجلسي الكونجرس، سيسمح له بتمرير إصلاحات دستورية مقترحة دون دعم المعارضة، وهو ما يُثِير المخاوف بشأن زيادة تركيز السلطة وتهديد الضوابط والتوازنات بين السلطات الثلاث في المكسيك. ويخشى البعض أيضاً من أن يؤدي هذا إلى قيام الائتلاف الحاكم بتنفيذ سياسات غير صديقة للسوق. ويظل الأمر متوقفاً على مدى جدية شينباوم في تبني أجندة تصالحية مع المعارضة وتنفيذ سياسات قادرة على مكافحة الجريمة المنظمة وجذب الاستثمار الخاص الوطني والأجنبي، ومعالجة التحديات الداخلية لحكمها.
منصة إعلامية إلكترونية تنقل الحدث الإخباري بشكلٍ يومي تعني بالشؤون المحلية والعربية والعالمية تشمل مواضيعها كافة المجالات السياسية والثقافية والاقتصادية إضافة إلى أخبار المنوعات وآخر تحديثات التكنولوجيا