سيداً في حياته كما هو سيد في استشهاده، أراد الشهادة فنال الشرف العظيم، نذر حياته دفاعاً عن أرضه وعن فلسطين، قدم ما استطاع من عزيمة وصبر وبأس فكان قائداً عظيما طوال حياته أوقف العدو خلف الحدود وأنجز النصر العظيم ومعه تحرير أرض لبنان.
عن أربعة وستين عاماً غادرنا الأمين العام لحزب اللـه حسن نصر الله إلى علياء ربه، شهيداً مكرماً، بعدوان إسرائيلي وحشي غادر، ليكون أميناً على المقاومة وسيداً للشهداء.
نصر اللـه زعيم الحزب الذي هزم إسرائيل وحده، والثائر على الخيبات والانكسارات والهزائم التحق أمس بمن كان يصفهم بالأحباب، تاركاً العالم والمقاومين تحت عصف الصدمة.
لكن غياب السيد سيتبعه سيد، وبيان المقاومة يؤكد ويقول إن النضال مستمر والجهاد سيتواصل في مواجهة العدو وفي إسناد غزة وفلسطين والدفاع عن الأرض والشعب الصامد الشريف.
المقاومة في حزب الله، نعت أمينها العام، شهيداً، معلنةً أنه «انتقل إلى جوار ربه شهيداً عظيماً وقائداً بطلاً، ملتحقاً بقافلة شهداء كربلاء النورانية الخالدة في المسيرة الإلهية الإيمانية على خطى الأنبياء والأئمة الشهداء»، وقالت: إنه «التحق برفاقه الشهداء، الذين قاد مسيرتهم 30 عاماً من نصرٍ إلى نصر».
وأكّد البيان أن «السيد قاد من نصر إلى نصر مستخلفاً سيد شهداء المقاومة في العام 1992 حتى 2000 و2006 وصولاً إلى معركة الإسناد لفلسطين»، وبارك البيان للأمين العام لحزب اللـه شهادته، مؤكداً أنها «أرفع الأوسمة الإلهية»، وأن نصر اللـه حقق أغلى أمانيه شهيداً على طريق القدس وفلسطين، ومضيفاً: «نعزي ونبارك برفاقه الشهداء الذين التحقوا في موكبه في إثر الغارة الصهيونية الغادرة التي استهدفت الضاحية الجنوبية لبيروت».
وعاهدت قيادة حزب اللـه الشهيد على مواصلة جهادها في مواجهة العدو الإسرائيلي وإسناداً لغزة وفلسطين ودفاعاً عن لبنان وشعبه، مؤكّدةً أن نصر اللـه هو «الشهيد الأسمى والأقدس»، كذلك، وإلى المجاهدين الشرفاء وأبطال المقاومة المظفرين والمنصورين قال البيان: «أنتم أمانة الشهيد المفدى، وأنتم إخوانه الذين كنتم درعه الحصينة ودرة تاج البطولة والفداء، وقائدنا سماحة السيد ما زال بيننا بفكره وروحه وخطه ونهجه المقدس، وأنتم على عهد الوفاء والالتزام بالمقاومة والتضحية حتى الانتصار».
الأمين العام لحزب اللـه في سطور
ولد نصر اللـه في الـ31 من آب عام 1960 في برج حمود في قضاء المتن، وكان الطفل التاسع من أصل عشرة أطفال، ومنذ صغره كان مهتماً بدراسة العلوم الدينية، إذ التحق بمدرسة النجاح، ثم مدرسة سن الفيل الرسمية، في عام 1975، وحين كان بسن الـ15 أجبرت عائلته على العودة إلى البازورية بسبب الحرب الأهلية.
أكمل نصر اللـه دراسته في مدرسة صور الرسمية للبنين، ثم انضم إلى حركة أمل، وعين مندوباً للحركة في البازورية، وبعد أن أنهى المرحلة الأول من دراسته في النجف العراقية عاد نصر اللـه الله إلى لبنان عام 1979.
تأسيس حزب الله
شارك نصر اللـه في تأسيس حزب اللـه وانضم إليه عام 1982، عندما كان بعمر 22 سنة، وتولّى لاحقا منصب نائب مسؤول منطقة بيروت، ثم أصبح مسؤولاً عليها، أستحدث لاحقاً منصب المسؤول التنفيذي العام، وشغله نصر اللـه أيضاً وأصبح بذلك عضواً في مجلس الشورى، وهو أعلى هيئة قيادية ضمن حزب الله.
في عام 1989، غادر بيروت إلى مدينة قم المقدسة في إيران، حيث تابع هناك دراساته الدينية، وفي عام 1991، بعد التطورات في الساحة اللبنانية عاد، وأنتخب عندها عباس الموسوي أميناً عاماً للحزب ونعيم قاسم نائباً له، واستلم نصر اللـه مسؤولياته التنفيذية السابقة.
وبعد اغتيال الكيان الصهيوني الموسوي بضربة جوية، انتخب نصر اللـه خلفاً له في 16 شباط 1992.
في عهده، طوّر حزب اللـه قدراته العسكرية وبات يمتلك أسلحة دقيقة متطورة قادرة على توجيه ضربات موجعة لإسرائيل، وتحت أمانته أصبح حزب اللـه عنصراً فعالاً في الحياة السياسية اللبنانية وشارك في مختلف الحكومات اللبنانية واللجان النيابية.
إثر غزو إسرائيل للبنان عام 1982، واحتلال الجنوب بالتعاون مع ميليشيات أنطوان لحد العميل، قاد الكثير من العمليات العسكرية ضدها بين 1985 و2000، ما دفعها في النهاية للانسحاب الكامل من الجنوب، بلا أي اتفاقية أو معاهدة مع لبنان، وبعد الانتصار على إسرائيل، زادت شعبية حزب اللـه في لبنان والعالم الإسلامي.
تبادل الأسرى
في عام 2004، لعب نصر اللـه دوراً أساسياً في عمليات تبادل الأسرى بين حزب اللـه وإسرائيل، ما أدى للإفراج عن مئات الأسرى الفلسطينيين واللبنانيين، وفي 2006 شنت إسرائيل عدواناً عسكرياً على حزب اللـه بعد قيامه بأسر جنديين إسرائيليين ضمن عملية الوعد الصادق، واستمرت العمليات القتالية 34 يوماً وعرفت بحرب تموز، دون أن تتمكن تل أبيب من تحقيق أي من الأهداف التي وضعتها، لينتهي عدوانها بصدور قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701، ويتبع ذلك تنفيذ نصر اللـه لوعده بإتمام صفقة تبادل الأسرى مخرجاً جميع أسراه ومعهم أسرى فلسطينيون من سجون الاحتلال.
حياته الشخصية
على الصعيد الشخصي نصر اللـه متزوج وله 5 أبناء: محمد جواد، زينب، محمد علي ومحمد مهدي، أما ابنه الأكبر محمد هادي فقد استشهد في معركة مع الجنود الإسرائيليين في أيلول عام 1997 في جبل الرفاعي.
مواقفه السياسية
عرف عن الأمين العام لحزب اللـه صلابته في مقارعة الاحتلال وهو القائل قبل عام 2000: «إذا كنا سنطرد الاحتلال الإسرائيلي من بلدنا، كيف نفعل ذلك؟ رأينا ما حصل في فلسطين، في الضفة الغربية وفي قطاع غزة وفي الجولان وفي سيناء، وصلنا إلى قناعة بأننا لا نستطيع الاعتماد على الدول العربية، ولا على الأمم المتحدة، والطريقة الوحيدة هي أن نحمل السلاح ونقاتل قوات الاحتلال».
وفي 2004، ورداً على سؤال حول رأيه بشأن حل الدولتين، قال نصر الله: «أنا لن أخرب ما هو شأن فلسطيني، لكن حتى الوصول إلى تسوية، أنا أشجع المقاومة الفلسطينية»، وفي الثاني من آب 2013، قال خلال مقابلة مع صحيفة يوم القدس «إسرائيل سرطان يجب استئصاله».
وفي الثلاثين من تشرين الثاني عام 2009، أعلن نصر الله: «مشكلتنا مع الإسرائيليين ليسوا أنهم يهود، بل أنهم محتلون يغتصبون أرضنا وأماكننا المقدسة».
وحول أحداث الحادي عشر من أيلول عام 2001 في الولايات المتحدة، قال نصر اللـه: «ما علاقة الأشخاص الذين يعملون في برجي التجارة العالمية، مع آلاف الموظفين، النساء والرجال، بالحروب في الشرق الأوسط؟ نحن ندين هذا العمل، وندين أي عمل يشبهه.. بالتأكيد نحن لا نشجع أسلوب أسامة بن لادن، وموضة أسامة بن لادن، ندين بشكل واضح الكثير من العمليات التي قام بتنفيذها».
توطين الفلسطينيين
وبشأن تجنيس الفلسطينيين في لبنان، قال نصر الله: «نرفض إعادة توطين الفلسطينيين في لبنان. هناك وعي لبناني بهذا الخصوص، ونشكر اللـه أننا نتفق جميعاً على نتيجة واضحة ومحددة وهي رفض توطين الفلسطينيين في لبنان». واعتبر نصر اللـه رمزاً من رموز محور المقاومة ومعارضة الكيان الصهيوني، وحسب دراسة صدرت عن المركز الملكي للبحوث والدراسات الإسلامية بالأردن سنة 2009 فإن نصر اللـه من بين أكثر خمسين شخصية تأثيراً في العالم الإسلامي.
ووصفت العديد من المصادر نصر اللـه بأنه كان صاحب كاريزما وشخصية قويتين، فخطبه الحماسية والواثقة في أيام الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان، وفي حرب لبنان 2006 أثرت في الكثيرين على مستوى العالم العربي والإسلامي، ويعتقد البعض أن نصر اللـه الشخصية التي تولت دور الزعامة في مواجهة إسرائيل، ويذهب البعض إلى أبعد من هذا حينما يعتبرونه رمزاً بما يعرف بمقاومة الاحتلال وقِوى الاستعمار في العصر الحديث، وهو من الشخصيات القليلة التي كان الكيان الصهيوني يحسب ألف حساب لتهديداته ووعوده، كما تمتع بشعبية كبيرة خارج لبنان لمواقفه ضد الاحتلال.