ينتظر لبنان التقارير الميدانية التي تُعدّها قيادة القوّات الدولية العاملة في جنوب لبنان حول الأنفاق قبالة الحدود الجنوبية للتأكّد ما إذا كانت تجاوزت الخط الأزرق. ويُتابع هذه المسألة بدقّة لئلا تستغلّها إسرائيل لتضرب الإستقرار الذي يعيشه الجنوب، على ما أبلغ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون منسقة الأمم المتحدة في لبنان برنيل كارديل خلال اجتماعه الأخير بها في قصر بعبدا. كما يلتزم لبنان احترام القرار 1701 بحرفيته، في الوقت الذي تواصل فيه إسرائيل انتهاك السيادة اللبنانية برّاً وبحراً وجوّاً بمعدّل 150 خرقاً شهرياً، فما الذي تريده إسرائيل من إثارة قضية الأنفاق «القديمة» أو القائمة منذ سنوات، في هذه الفترة بالذات والإدّعاء بأنّ «حزب الله» يتجاوز الخط الأزرق ما يُهدّد أمن مستوطناتها الشمالية؟!
ما تودّه إسرائيل في هذه المرحلة، على ما ترى أوساط ديبلوماسية مواكبة لما يجري، أن تحدّ من قدرة «حزب الله» على مهاجمتها، سيما وأنّ صواريخ الحزب الدقيقة التوجيه تُقلقها كثيراً منذ أن أعلن الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله عن امتلاكها، وزاد في الطين بلّة، بالنسبة اليها، شريط الفيديو الذي نشره الإعلام المركزي الحربي وتضمّن المواقع التي سيتمكّن «حزب الله» من ضربها وإصابتها في حال «تجرّأ الصهاينة على ضرب لبنان أو الإعتداء أو القيام بغارة جويّة عليه»، على ما ورد حرفياً في الفيديو. ولهذا فإنّ إسرائيل تزيد من نشاطها العسكري على طول الحدود الجنوبية للبنان، بهدف إضعاف «حزب الله»، من وجهة نظرها، والحدّ من قدرته على ضرب مواقعها.
غير أنّ إسرائيل في الوقت نفسه، تبدو قلقة من بدء صراع جديد مع لبنان، على غرار ما حصل في حرب تمّوز- آب 2006، أي منذ 12 عاماً بينها وبين «حزب الله» في لبنان. ولهذا فهي تجري حسابات مختلفة عن مهاجمتها بشدّة للأهداف الإيرانية والسورية و«حزب الله» في سوريا، وتتعامل بحذر أكبر مع لبنان. علماً أنّها غير مطمئنة لتهديدات الحزب، وتأخذها بشكل جدّي خصوصاً وأنّها أتت على لسان السيّد نصرالله الذي غالباً ما يقول ويُنفّذ ولا يرمي أبداً بالونات في الهواء، على غرار ما يفعل بعض القادة الإسرائيليين لطمأنة الشعب الإسرائيلي الدائم التوجّس من ضرب «حزب الله» له.
وفيما يتعلّق بعملية «درع الشمال» التي أطلقتها إسرائيل في 4 كانون الأول الجاري، وذلك قبل البدء بتدمير عدد صغير من الأنفاق عند الحدود، والتي ادّعت أنّها تعبر من لبنان لتصل الى إسرائيل (أي الأراضي الفلسطينية المحتلّة)، على ما أضافت، فقد جرى الإعداد لها منذ فترة، وكان الهدف منها أن يقوم «حزب الله» بردّ فعل قوي تجاهها، يُمثّل ذريعة لكي تبدأ بضرب بعض المواقع للحزب في لبنان. كما أنّها قامت بتحذير المزارعين في مستوطناتها الشمالية من الإقتراب من الحدود مع لبنان تحسبّاً ممّا قد يقوم به الحزب، واستدعت بعض جنود الإحتياط وحشدت بعض الوحدات المدفعية للردّ على أي ضربة.
إلاّ أنّ حسابات إسرائيل، على ما أكّدت الأوساط نفسها، جاءت خلافاً لتوقّعاتها. فسياسياً كانت تنتظر ردّاً من قبل السيد حسن نصرالله على عمليتها «درع الشمال»، وعسكرياً كانت تتوقّع أيضاً أن يقوم الحزب بمهاجمتها أو بالإشتباك معها عند الحدود، إلاّ أن أي من هذين الأمرين لم يحصل. كما أنّ المجلس الأعلى في لبنان اجتمع لتحديد ردّه المناسب ونقله الى الأمم المتحدة، انطلاقاً من أنّ قوّات «اليونيفيل» العاملة في الجنوب تُراقب، وقد كشفت على ما ادّعته إسرائيل من وجود أنفاق تُشكّل خطراً على أمنها، وأعلنت عن وجود نفق قرب الحدود، وهي الآن في صدد كتابة تقريرها عن الأنفاق وإرساله الى الأمم المتحدة.
ويقول بعض المراقبين السياسيين إنّ توقيت عملية «الدرع الشمالي» قد يكون سبباً لعدم قيام الحكومة الإسرائيلية بشنّ عملية أكثر شمولية في قطاع غزّة، سيما وأنّ الجانب الإسرائيلي لا يودّ، أو لا يُمكنه حتى، خوض حرب أو مواجهات على جبهتين في الوقت نفسه. كما أنّ الحسابات، على الصعيد السياسي، قد أخذت بالإعتبار قرار وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان بالإستقالة كوزير للدفاع. وقد كان هذا الأخير يُعطي الأولوية لاستمرار التهديدات الإسرائيلية للفسلطينيين في غزّة، على تهديد لبنان بشكل دائم، وربما استقال لأنّه لم ينجح في طرحه هذا.
أمّا لبنان فيقوم بما في وسعه للتعاون مع المجتمع الدولي، على ما شدّدت الأوساط، في النقاط التي أثارها مجلس الأمن خلال اجتماعه الأخير الذي تطرّق فيه الى الوضع في لبنان. وأكّد على التزامه بالقرار 1701 بنصّه وروحه، ومطالباً بأنّ يُطبّق الجانب الإسرائيلي ما هو مطلوب منه في القرار المذكور، أي الإنسحاب من الأراضي اللبنانية الجنوبية التي لا يزال يحتّلها وهي مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء اللبناني من قرية الغجر.
وبرأيها، فإنّ إثارة مسألة الإنفاق من قبل الجانب الإسرائيلي لم تُعطه ما كان يتوقّعه، لهذا فهي صفحة وطُويت، ولن يكون لها أي تداعيات سلبية على لبنان، سيما وأّنّه لم يتمكّن من جعلها ذريعة للإشتباك مع «حزب الله» عند الحدود الجنوبية، أو إثارة نقمة المجتمع الدولي عليه. لكنّها أوضحت بأنّ احتمال حدوث تصعيد بين الجانبين سيستمرّ، على الأقلّ من الجانب الإسرائيلي الذي يُهدّد بشنّ حرب جديدة على لبنان بشكل دائم.
ولأنّ إسرائيل عازمة على حماية نفسها، على ما تُعلن، فهي لا تتوانى عن مواصلة استهدافها لـ «حزب الله» ولأهداف إيرانية في سوريا، مهدّدة بالإنتقام. لكن «حزب الله» لن يُستفزّ للردّ العسكري عليها، عندما تشاء، على ما أشارت، لأنّها تسعى جاهدة لتحويل المناوشات المستمرّة على الحدود الى صراع عسكري أكبر بين الجانبين. على أنّ إسرائيل تعتزم اتهام «حزب الله» بالتعدّي عليها، لتبرير شنّها الحرب على لبنان مجدّداً، غير أنّها لم تُفلح، فيما التزم لبنان الحذر تجنّباً لأي تصعيد غير منضبط مع الجانب الإسرائيلي.
وكشفت بأنّ الجانب الإسرائيلي المدعوم من الولايات المتحدة الأميركية قد قرّر تعزيز نشاطه العسكري عند الحدود مع لبنان بحجّة حماية نفسه من «سلاح الأنفاق» والعمل على تدميرها، لكي يكون جاهزاً لأي ضربة أو هجوم عليه من قبل «حزب الله». غير أنّ لبنان لا ينوي حالياً توريط نفسه في حرب جديدة مع إسرائيل، لا من باب الأنفاق ولا من زاوية اي إدعاءات إسرائيلية أخرى لجرّه الى البدء بهذه الحرب. فإسرائيل تودّ دائماً إفهام العالم أنّها في صدد الدفاع عن نفسها، وليس الهجوم على الآخرين من دون وجود أي أسباب منطقية، وهذا ما لن تحصل عليه من «حزب الله» هذه المرّة.
دوللي بشعلاني – الديار
Discussion about this post