في الحياة الديمقراطية حاجة إلى المعارضة البناءة، إلى مواطن لا يقول لا كيفما كان، وإن كانت الديمقراطية كما يقول تشرشل “أسوأ الحلول الجيدة” .. عندما تلبس المعارضة تلك لونها، ويكون مثلا اصفرا، فهي تتجه لتعميم ثقافتها، لتدريب بقية المعارضات على الوان يكون من اختيارها.
عندما سينزل الشيوعيون مثلا إلى الساحات لا بد ان يضعوا “الصديرات الحمراء” بدلا من الصفراء.. فهم موهوبون بهكذا لون، احلامهم حمراء، لون عيونهم كذلك، خططهم للمستقبل قائم على هذا اللون المبهج بالنسبة إليهم، ولهذا يقال بأنهم في طريقهم لهذا الخيار الذي لابد منه في زحمة التظاهرات التي تحمل معنى، لكنها بكل اسف مركبة من الخارج، من خارج المكان الذي يقف فيه المتظاهرون، ولها دفع مختلف، فاوروبا ما زالت رومانسية واللون مشتق من افكار خيالها الرحب الذي كلما فتحته في فرنسا مثلا ستجده انعكاسا لمدارس فنية اختزلها مثقفون كبار، من السريالية إلى التكعيبية إلى الدادائية وصولا إلى الواقعية.
ينبغي ان نعترف بأن انسان القرن الواحد والعشرين لن يكون من سلالة ما مضى، انه الشباب الذي انفتحت شهيته الإعلامية على العالم كله، وصار له من التعددية ما جعل قابليته للهضم اسرع من أي جيل مضى. لا بد من الاعتراف بأن العقل الشبابي الحالي مؤتمن على صيانة ما يفكر به وما سيفعله دون خوف بل وبجرأة لا مثيل لها.
في تظاهرات 1968 في فرنسا كانت البداية التي اسست لكل المراحل اللاحقة ومنها ما حصل ويحصل في اهم شوارع باريس وغيرها من المدن. في ذلك الزمان اشعلها يهودي غير بريء ثم انسحب من الواجهة، هرب من الضوء كي لا تتعرى التظاهرات وتنكشف، بكل اسف خدع بها مثقفون وكتاب ونقابات ومحايدون وغيرهم من شباب حالم. ارادوها ضربة ضد ديغول الذي من اجلهم رفض الاستسلام للنازي وظل يقاتله وعاد منتصرا ثم استلم دولة وجدد فيها روحها، بل بعث فيها الفرنسة الحميمة التي ظلت هدارة. لكن اللون لم يكن مهما يومها، الفوضى والشغب كان اساس المرحلة.
اليوم ثمة من اخترع الألوان ليعطي الحراك صورة معنى التغيير، وللتفريق في الشارع بين مندس وحقيقي وشرطي، والأهم ان يتمكن بمراقبته من بعيد احصاء الأعداد كي يعرف ماذا ستكون عليه النتيجة، فهو اذن دارس وفاهم .. لعله الاميركي بمواصفات الحقيقة الواضحة، حين يريد تكسير اوروبا واعادة تفتيتها، فلقد اخطأ الرئيس الفرنسي ماكرون حين تجاوز في كلامه محرمات قالها كمثل جيش اوروبي او هو اراد ان يبز الرئيس الاميركي ترامب بان الأصل الأميركي هو اوروبا أم العالم وحضاراته .
لن تكون “الصديرات الصفراء” كما سماها زميلنا الكاتب سمير عطالله بدلا من “السترات الصفراء” كونها الأصح، مجرد قنبلة موسمية، اصبحت من نسيج المجتمع الفرنسي، وفتحت الباب لتكون في غيرها من دول اوروبا، مع ايقاظ الشباب في اكثر من مكان على الوان اخرى، لكن من خلال دعم واضح، اذ لا يمكن لأي حراك في هذا العصر الاستمرار بدون ممول ومال، كما هو حال ما جرى في بلادنا العربية التي خضعت لأبشع ارهاب صبت فيه أموال دول وليس دولة .. فمن يا ترى غطى مئات الآلاف من الصديرات أو السترات التي ظهرت دفعة واحدة في فرنسا، من غطى مثلا آلاف الإعلام التي ظهرت دفعة واحدة في ليبيا ابان الحراك المدمر ضد القذافي وتلك التي ظهرت في سوريا، وكلنا يعرف بقية القصة.
زهير ماجد – الوطن العمانية
Discussion about this post