أخيراً جاء من اقتنع ويحاول فعلاً ترسيخ القناعة لدينا بأننا بلد زراعي، و أن هذه السمة ميزة ذات أبعاد وطلقة و “امتياز” من منح الطبيعة لسورية البلد الخيّر الذي يأكل مما يزرع فغدا عصيّ على الحصار ومحاولات التجويع، بما أن معادلة الأمن الغذائي باتت ذات الصدى الأقوى في زمن تلاشي مفهوم الغذاء الرخيص.أخيراً كنا واقعيين في تعاطينا مع أعمالنا، بعد سنين وسنين من تصارع الطموحات ومحاولات التحليق بأجنحة “عباس بن فرناس” فسقطت تجارب تصنيع السيارات لأن ثمة من سبقنا بقرن أو قرون من الزمن، كما سقطت محاولاتنا لإنتاج أدوات العالم الرقمي..أيضاً لأن من سبقونا باتوا أصحاب تراث عريق في هذا المجال الرحب.
كنا واقعيين عندما بدأنا نلتفت إلى القطاع الزراعي “قطاع الأمن الغذائي” الحقيقي، بعد عقود سنين من “النظر شذراً” إلى غلال الحقول، والتطلعات الليبرالية نحو الحالة الريعيّة التي أعادت مساهمة القطاع الزراعي من 32 بالمائة إلى 17 بالمائة بعد سنوات قليلة من الغرق في ” لوثة الليبرالية” .
لقد كانت يقظة أكثر من مجرّد حالة بروتوكولية على ما يبدو، يقودها بكل ثقة اتحاد المصدّرين عبر مبادرة ” زرع في سورية” ..ويالها من عبارة ذات وقع طيب على مسامع كل مدرك لأهمية القطاع و متلمّس للإهمال الذي لحق به على مرّ حكومات سبقت، كنا نكتفي بالسعي لترسيخ تطبيقات ” صنع في سورية” رغم أهميّة العبارة، فما كان الضير من إطلاق عبارة أخرى مرافقة من ثلاث كلمات هي ” زرع في سورية” ؟؟.
يدرك إياد محمد رئيس القطاع الزراعي في اتحاد المصدّرين، أن قوام صادرات سورية التي يشرف عليها الاتحاد ترتكز على الزراعة والتصنيع الزراعي، وأن تعزيز البنى الإنتاجية كشعار ومسعى حكومي، يجب ألا يستثني المضمار الزراعي الرحب بكل ما يزخر به من خيرات، أعطت الخصوصية السورية ما أعطتها من تميز وحضور في الأسواق الدولية.الرجل أطلق المبادرة الذي كان هو عرّابها تماماً، و يتطلع إلى تحويلها من طقس كرنفالي إلى فعل خلّاق مسرحه الحقول ومطارح الإنتاج الخصبة والثريّة حقّاً، ويعتبر أن موعد العشرين من الشهر الجاري سيكون نقطة تحوّل حقيقية على مستوى التقاط ميزات قطاع غذاء السوريين.
الانعطافة “النبيلة” نحو القطاع الزراعي، كانت مقترنة بالشعار الآخر الذي بات تقليدياً في سورية المتعلق بالصناعة السورية، فكان التركيز على عبارة ” صنع وزرع في سورية” عنوان المهرجان الذي ستحتضنه مدينة الجلاء الرياضية لمدة 10 أيام.يقول إياد محمد أن المبادرة تتضمّن دعم المنتج الزراعي السوري من إنتاج الخضار والفواكه و الإنتاج الأسري لتحقيق حزمة أهداف، في مقدمتها رفع ثقافة استهلاك الزراعات الرئيسية وخصوصاً الحمضيات والتفاح من خلال إيصالها إلى الأسواق الرئيسية من المنتج مباشرة.ففي سورية زراعات استوائية تتسع رقعتها تباعاً لا بد من تسليط الضوء عليها، كما لدينا زراعات أسرية و نشاط جديد للمرأة الريفية، و أسر الشهداء والجرحى يجب أن يكون في دائرة الاهتمام.دعونا نسميها المبادرة الطيبة لأنها تحفز على العودة إلى الأراض الزراعية، والتوسّع في استثمارها لأن لدينا المزيد من المساحات التي مازالت خارج الخدمة.
ولأنها مبادرة ستعيد تذكيرنا بـ”داتا” منتجاتنا الزراعية، وتظهر نتاج تجربة بنك البذار المجاني وفائدته لأصحاب الحيازات الصغيرة.إن كنت مبادرة اتحاد المصدرين خطوة أولى، فثمة سلسلة تتابع يجب أن تستمر، لأن زراعتنا تستحق بالفعل أكثر مما أعطيناها من اهتمام تسويقي و إعلامي..فبعد العشرين من هذا الشهر يجب أن يكون مختلفاً نحو الأفق الأفضل مما قبل هذا التاريخ.
الخبيرالسوري
Discussion about this post