بحسابات الدولة اللبنانية، تعد أنفاق حزب الله خرقاً للقرار الدولي 1701، لكن بحسابات المقاومة، فإن هذه الأنفاق، في حال ثبت وجودها، هي جزء من منظومة الردع، وخط دفاع أولي عن الحزب وأنصاره وبيئته الحاضنة … الجدل حول هذه النقطة، من طبيعة الأشياء، والأرجح أنه لن ينتهي.
من المنظور السياسي، سيجد الحزب عنتاً في تسويق وتسويغ موقفه للقوى والتيارات اللبنانية، بالتحديد السنيّة منها والمسيحية، مع بعض الاستثناءات بالطبع، وستعود مسألة «قرار الحرب والسلام» لتصدر عناوين الجدل المحلي، لكن من المنظور الميداني، فإن الأنفاق، كما شبكة اتصالات الحزب (2008)، تقع في قلب المنظومة الدفاعية – الردعية للحزب ورجالاته.
من منظور الحرب النفسية، فإن تلميحات الحزب المتكررة، وأحياناً تعهدات قادته، بنقل المعارك في أي حرب قادمة للعمق الإسرائيلي، كانت قصة نجاح للحزب، دفعت المؤسسة العسكرية – الأمنية الإسرائيلية، لبذل كل جهد ممكن لقطع الطريق على هذا السيناريو … لكن بالمعنى العملياتي للكلمة، فإن الكشف عن استراتيجية الحزب الجديدة، دفعت إسرائيل لمسح 79 كيلومتراً، هي طول الحدود بين لبنان وإسرائيل، بحثاً عن أنفاق محتملة.
للحزب خبرة طويلة في «تكتيك الانفاق»، وهو ساعد المقاومة الفلسطينية على نقل التجربة إلى قطاع غزة، قبل أن تستخدم بعض فصائلها هذا التكتيك، ضد الحزب في بعض معارك سوريا، وتحديداً على جبهة القصير، لذلك، لم تصبنا إسرائيل بالدهشة عندما كشفت عن وجود بعض الأنفاق، ولم يفاجئنا الحزب بصمته، فهو اعتاد ألا يقدم معلومات بالمجان لإسرائيل، وانتهج سياسة «الغموض البناء» في تعامله معها.
أياً يكن من أمر، فإن السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هو ما الذي ستفعله إسرائيل بعد أن كشفت عن وجود أنفاق للحزب تمتد لعشرات الأمتار في العمق الإسرائيلي … وهي أنفاق وصفها الجيش الإسرائيلي بالهجومية، وذكرته بما كان لأنفاق حماس والجهاد من فاعلية في العدوان الإسرائيلي على غزة في العام 2014، وفي محاولات خطف جنود إسرائيليين لمبادلتهم بأسرى فلسطينيين.
نتنياهو، قرر ابتداءً، أن يستنفد حملته الهجومية، دعائياً ضد الحزب، وبالأخص ضد إيران، وأراد بهذا «الكشف الاستراتيجي» أن يعيد شحن حملات التجييش والتأليب التي يخوضها ضد إيران بطاقة جديدة… لقد أعطى الأمر بعداً «دراميا» بالطريقة التي رتب بها لقاءً على عجل مع مايك بومبيو في بروكسيل قبل أربعة أيام، واصطحب السفراء والديبلوماسيين في رحلة إلى الخط الحدودي، في ردٍ على ما يبدو، على ما فعله وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل، عندما اصطحب ممثلين عن السلك الدبلوماسي المعتمد في لبنان، لتفنيد رواية نتنياهو حول وجود مصانع للصواريخ الذكية، في قلب بيروت، على مقربة من مطارها المدني وتحت ملاعبها الرياضية.
لكن إسرائيل في المدى المرئي، ليست بوارد خوض حرب شاملة على لبنان وحزب الله، وهذا ما سعى الجيش لتأكيده في بيانات وتصريحات متعاقبة، مؤكداً أن «درع الشمال» ليست قراراً بالحرب، ولكنها عملية محدودة، بأهدافها ونطاقها وجغرافيتها … مع أن أحداً ليس بمقدوره ضمان عدم الانزلاق من الاحتكاك المحدود والقريب، إلى الحرب الشاملة، سيما في مناخات التوتر والمواجهة بين إسرائيل من جهة وإيران وحلفائها في سوريا من جهة ثانية، وعلى خلفية الاحتدام في العلاقات الأمريكية الإيرانية.
«الكشف» الإسرائيلي على الحدود، جرى تصويره بوصفه انتصاراً استخبارياً وعسكرياً إسرائيلياً سريعاً وغير مكلف … والمؤسسة العسكرية وصفت الأمر بـ»الصدمة» و»المفاجأة» للحزب وأمينه العام على وجه الخصوص … في حين ذهب مراقبون كثر للقول بأن الكشف عن هذه الأنفاق وتدميرها، ستسحب من الحزب «عنصر المفاجأة» في أي حرب قادمة، وأن تدمير الأنفاق يعد متطلباً مسبقاً، وربما تمهيداً لمواجهة عسكرية أشمل، ليست وشيكة، بيد أنها مرجحة قبل نهاية ولاية ترامب الحالية، باعتبار إدارته الأكثر انحيازاً ودعماً لإسرائيل ويمينها المتطرف.
سيستمر الجدل اللبناني – الإسرائيلي حول قضية الأنفاق، بموازاة جدل لن يقل احتداماً بين اللبنانيين أنفسهم… سيجد نتنياهو مزيداً من الذخائر في حملته على إيران والحزب، وسيضاف إلى أسباب فرقة اللبنانيين وانقساماتهم، سبب آخر أكثر سخونة واحتداماً.
Discussion about this post